Sunday, July 7, 2013

الظاهر في الخطاب الديني المعاصر: عرضٌ ونقد

يتعرض هذا المقال لشرح الخطاب الديني وطرح اشكالاته المعاصرة.

قبل الخوض في الموضوع، يُلزم بي في البداية أن أوضّح ماهّية الخطاب الديني المعاصر وتفكيك دلالاته حتى أمكّن من الخوض فيه وعرض اشكالاته، إن المقصود في الخطاب الديني المعاصر ـــ وفقاً لما يتوفر من عموم الكتابات وما لاحظت وتابعت ـــ هو أي خطاب يلقى في مكان عام، سواء في وسائل الإعلام أو الأماكن العامة أو دور العبادة من أُناس تعتقد أن كل شيء في حياتها العملية يجب أن يكون خاضعاً للدين، ويتم تقريباً، وفقاً لهذا الخطاب نقد أي شيء يُعتقد أنه مساساً في الدين، ويدخل في إطاره السياسة والاقتصاد والمجتمع والأسرة والزواج والعلاقات الجنسية والأحلام والعلم والرياضة... وغيرها الكثير من الشؤون الحياتية، يكاد أن يكون كل شيء مشمول، أي أنه تباعاً لما ذكرت، أضحى خطاباً شاملاً لكل شيء، هذا من باب التعريف، وبناء على التعريف آنف الذكر، تبدو أولى اشكاليات هذا الخطاب وهي من بديهيات نقده هو تطبيق الفكرة المنطقية التالية " لا يمكن لمن يجيب على كل شيء، أن يعرف شيء " هذه الفكرة المنطقية تجعل من طبيعة الخطاب الديني هشاً من الناحية المعرفية، ذلك أنه كخطاب يسعى لتقديم إجابات على كل شيء وكل تساؤل يُطرح، ومن سوء حظ الخطاب إن جاز التعبير، أو قائلوه ومساندوه، أننا نعيش في عصر العلم والتخصص، لذلك من السهل عملياً التأكد من طبيعة اجابات تلك الخطاب وطروحاته، سيما المتعلقة في الشؤون العلمية التي تتطلب بحثاً متخصصاً في مجالٍ ما، سواء في شؤون التخصصات الأدبية أو العلمية، وحتى أختصر الحديث في عرض اشكالات الخطاب الديني سأعرض اشكالات على شكل نقاط، إذ تتجلى إشكالات الخطاب الديني بالمجمل في الآتي:

1- أنه خطاب فاقد للبُعد العلمي في الشرح والتفسير، المقصود في البُعد العلمي Empirical Methodology اتباع منهجاً امبيريقياً، و هو اتباع سلسلة من الاجراءات والعوامل المنطقية المنظّمة للتأكد من طبيعة التساؤلات التي يطرحها الخطاب، يكاد أن يكون الخطاب على العكس تماماً، هو خطاب يجيب قبل أن يسأل، بل و إجاباته مطلقة و تم التأكد منها قبل طرح السؤال، وأحياناً تكون الإجابة جاهزة فور طرح السؤال بثوان معدودة.

2- أنه خطاب فاقد للموضوعية والحياد، صحيح، من الناحية المنطقية الحياد أمر معدوم، إلا أن هناك حد ادنى من الحياد، وهو غائب تماماً عن الخطاب الديني، أما الموضوعية والمقصود بها فصل القيم والعاطفة للتقييم والتحليل، هي أمر مفقود بشكل كبير، بل أن الخطاب الديني هو خطاباً عاطفياً بالدرجة الأولى، فهو اداة محاكاة للعواطف أكثر من العقول.

3- أنه خطاب نقلي لا عقلي، إذ يستخدم خطباء الخطاب الديني الحجّة النقلية دوماً على العقلية، بل العديد منهم يؤكدون حجيّة استخدام المنقول على المعقول، وفي هذا ينعدم النقاش المنطقي، ذلك أن طرفه يُقِر وبلا مشكلة، ان العقل يأتي بمرتبة ثانية بعد النقل.

4- أنه خطاب متحيز دوماً، وبالرغم من اختلاف الفرق الدينية الاسلامية وتنوعها، إلا أن هذا التنوع لا يعكس بطبيعة الحال تنوع ذهنية الخطاب ونمط تفكيره، إن الخطاب دوماً متحيز في كل شيء تقريباً.

5- أنه خطاب يتعارض مع منظومة العالم الفكرية اليوم Global Paradigm وهي سلسلة من الأفكار الكونية التي نعيش بها اليوم، متضمنة لمفاهيم عدة كحقوق الإنسان بصورتها الحالية وعمل مؤسسات المجتمع المدني والديمقراطية والمواطنة، و أعزو طبيعة هذا التعارض سبباً و نتيجة هو لانحسار هذا الخطاب في زمن معين و اتسامه بمحدودية النطاق، فهو لازال يعيش في زمن سبقنا، وحتماً سيتعارض مضموناً وفكراً مع حاضرنا والمستقبل في حال عدم تجديده.

6- أنه كخطاب يرتكز دوماً على الجانب التلقيني والتخويف والترهيب بدلاً من الترغيب، كافعل هذا ولا تفعل ذاك، و لا مجال في هذا العالم المعاصر، أن تكون مثل هذه الأمور مقبولة من الناحية الإنسانية.

تلك أبرز إشكالات الخطاب الديني المعاصر بشكل مختصر، وبالرغم من هشاشة الخطاب الديني من الناحيتين المعرفية والعلمية، فضلاً عن تحيزه وفقدانه للموضوعية، إلا أنه كخطاب يتسّم بالشعبية الكبيرة في مجتمعاتنا الشرقية، بل يكاد أن يكون هو الخطاب الأبرز والأقوى والأبقى، بل الأكثر انتشاراً وقبولاً، والأنكى من ذلك هو وجود كم لا بأس به من المثقفين والأكاديميين مؤكدين لهذا الخطاب وغير مكترثين بعرض نقده بغرض تصحيحه، إن النقد ليس في النهايةِ عيباً على الشيء بقدر ما هو محاولة للتصحيح والتقويم، إن أمكنت الظروف والمحاولات.  

No comments: