Sunday, August 4, 2013

قراءة موضوعية مُقارنة في ذهنية المكوّن الشيعي في آخر انتخاباتين

ترصد هذه المقالة التمثيل النيابي الشيعي في اخر انتخاباتين بقصد معرفة ذهنية المشاركة السياسية الشيعية في الانتخابات الكويتية، فالهدف يكمن في هذا المقال تحديداً في معرفـــة ذهنية المكّون الإمامي الشيعي فقط، أما المقال القادم قد يستعرض مسببــــات مثل هذه النتائج واشكالاتها، ومن ثم مقالات أخرى حول باقي المكونات من حضر سنّة وقبائل على نفس النمط.

 نظراً لعدم نضج التيارات السياسية في الكويت، وغياب المؤسسة الحزبية عن الحياة السياسية لدينا تنهض طبيعة الصراع السياسي-الانتخابي لدينا على شرائح المجتمع من سنّة حضر وقبائل وحضر شيعة، ويستثمر المرشحون فوزهم في الانتخابات غالباً اتكالاً على ثمة قواعد اجتماعية تحدد وصولهم من عدمه على البرلمان، فالقواعد الحضرية السنّية غالباً تعتمد على امتدادها العائلي ومصاهراتها، أما القبائل فهي إما أن تعتمد على نتائج الانتخابات الفرعية، أو الامتداد القبلي للقبيلة، أو التحالف القبلي مع قبائل أخرى في بعض الحالات ومن ثم تبادل الأصوات، أما الحضر الشيعة فلهم تقسيهم الخاص فيما يتعلق بأصولهم الاجتماعية من أصول عربية وفارسية، وتتفرع تقسيماتهم في داخل الأصل نفسه من مراجع دينية يتم تقليدها، ما سبق ذكره لا يعني الغياب المطلق للحصول على أصوات من أطراف اجتماعية أخرى، فثمة تيارات سياسية موجودة أيضاً بالإمكانها أن تستفيد من قواعد قد لا تنتمي وبالضرورة إلى ذات الخلفية الاجتماعية، إلا أن السمة الدارجة لدينا في الانتخابات البرلمانية هو الاعتماد بالدرجة الأولى -كما لاحظت على المستوى الشخصي ومن خلال احتكاكي وقراءتي لآراء محللون النتائج الانتخابية- أن السمة الأبرز للفوز هو الامتداد الاجتماعي غالباً هو العنصر الأول و الناجع والأكثر فعاّلية لضمان وصول المرشح لكرسي البرلمان.

كي نتمّكن من الناحية العلمية أن نعرف طبيعة تفكير ذهنية أي قاعدة اجتماعية في الكويت، بالإمكان أن ننظر ببساطة لمخرجات هذه القاعدة أو الفئة الاجتماعية، فمخرجات الحضر السنّة هي انعكاساً لطبيعة ناخبوهم، كذلك ينسحب الحال على القبائل والشيعة، من الناحية العملية لدينا فيما يتعلق أولاً بالحضر السنّة بالإمكان أن نرى مخرجاتهم متنوعة في انتخابات المجلس المبطل رقم 2 ثم المجلس الأخير لعام 2013، إذ لا يمكن أن نقول أن مخرجات الحضر السنّة كانوا جميعاً من السلف أو ليبراليين، بل كانوا جمعاً مشترك في كلا المجلسين، كذلك الحال مع القواعد القبلية، فبالرغم من طبيعة المجتمع القبلي المحافظ، إلا أنه لا يمكن القول أن مخرجات القبائل كانت تمثل توجه واحد يسهُل الجزم فيه أنهُ دينياً، بمعنى أنه يمثّل السلف أو الإخوان المسلمون كتيارات سياسية، ذلك أن مخرجاتهم جاءت متنوعة، لذلك من الممكن أن نخلُص القول أن مخرجات الحضر السنّة والقبائل جاءت متشابهة من ناحيتين الأولى هي الاعتماد الكبير على البُعد الاجتماعي للوصول إلى البرلمان أما الثانية تكمن في الاختلاف الفكري لنوابهم في البرلمانين، أما الحضر الشيعة فجاءت مخرجاتهم في انتخابات المجلس المبطُل رقم 2 والمجلس الأخير غالباً متشابهة من ناحية وجود عنصر التديّن، باستثناء عضوة واحدة وهي د. معصومة المبارك، إلا أن المخرجات الانتخابية أتت بنواب اشتهر أكثرهم بالتعصّب الطائفي، وهنا اصطلاح التعصّب لا يعني القدح بالضرورة بقدر ما هو اصطلاح يُقصَد منهُ الوصف والتحليل، إذ يشترك النواب الشيعة بهذه المسألة، فببساطة أخذ جولة أرشيفية لتصريحات هؤلاء النواب كلهم باستثناء واحدة من الممكن أن نخلُص إلى القول أن هناك سمة مشتركة بينهم وهي ارتفاع حدّة النبرة الطائفية، إن هذا التمثيل البرلماني للطائفة يعكس أمراً واحداً مفادهُ أن غالب الناخبون الشيعة راضون عن هؤلاء بدليل إيصالهم للبرلمان، فمخرجات الدائرة الأولى باعتبارها دائرة ذات أغلبية إمامية هي مخرجات (سلف-الشيعة) إن جاز التعبير، قد يختلفون في بعض الأشياء والمسميات، إلا أن النمط الذهني واحد وهو استخدام النبرة الطائفية في كثيرٍ من الأحيان وهذا يتجلى في طبيعة مضمون الخطاب content analysis الإمامي، هذه المسألة تعني أن هذه طبيعة تفكير ناخبو الدائرة الأولى من الإمامية، فهم إذاً كناخبين لديهم حس من التدّين، علاوة على ذلك، جاء سقوط النائب السابق د. حسن جوهر في انتخابات المجلس المبطل رقم 1 مجلس أغلبية فبراير بعد نجاحه الدائم في الانتخابات منذ سبعة عشر عاماً كمؤشر على ترجيح كفّة الناخبون الشيعة لحلفاء الحكومة، ذلك أن د. حسن جوهر كانه خطابه دوماً معتدلاً، و جاء موقفه الشخصي الأخير مضاداً لسياسة الحكومة السابقة على عكس سائر نواب الشيعة وقتذاك، ولهذا جرى إسقاطه في انتخابات فبراير 2012 فضلاً عن شن حملة كبيرة ضدّه نظراً لمواقفه المعتدله والتي جاءت على عكس غالب التيار الإمامي في ذاك البرلمان، و من الممكن أن نستخلص مما سبق ذكره أن غالب إن لم يكن كل أعضاء البرلمانات يأتي فوزهم نظراً لامتدادات اجتماعية، إلا أن فوزهم يعكس تنوعاً فكرياً باستثناء الناخبون الشيعة الذين يفضّلون -بناء على طبيعة مخرجاتهم للمجلس المُبطل رقم 2 والمجلس الأخير- إيصال من يستخدم النبرة الدينية-المذهبية في خطابه، وهذا يعكس طبيعة الذهنية الإمامية المتدينة لدى غالب ناخبوهم، أمر آخر ينبغي إيصاله هو أن هناك عدد من الإمامية الذين قد لا يصوتون بالضرورة لناخبيهم وقد يسهمون بإيصال فئات أخرى فأقول أن هذا الأمر وارد ومعروف إلا أن هذا المقال يرصد طبيعة المخرجات الإمامية باعتبار أن غالبهم يصّوت لمن يمثُله في الطائفة تحديداً.

Wednesday, July 31, 2013

في الرد على الكاتب عبداللطيف الدعيج

هذا مقال قديم كُتب منذ سنة رداً على مقال كتبه الدعيج في القبس بالإمكان قراءته عبر هذا الرابط.
http://www.alqabas.com.kw/node/85910

-

يورد الكاتب عبداللطيف الدعيج في مقالته تحت عنوان " خريجوا الفرعيات ومواليد التزوير والتعديل " أفكار عدة، مهاجماً فيها بعض نواب مجلس الأمة، أو أقلية مجلس أمة 2009 و أغلبية مجلس أمة 2012 المبطل مؤخراً بسبب خطأ إجرائي في مرسوم الحل، كما أنه ينتقد طبيعه خطاب الأغلبية وإصدارها بياناً، وينتقد منها من ينتقد فكرة تعديل الدوائر، بحجة أن الدوائر قد عُدِّلت سابقاً لأسباب فوز شاكلتهم، ويتحدث عن خريجوا الفرعيات على طريقة القذافي " من أنــتم " في سرقتكم للنضال الوطني؟

شخصياًَ متابع منذ سنوات للكاتب الدعيج، أختلف وأتفق في نقاط وهذه هي طبيعة الأمور أن تتفق وتختلف، إلا أنه قد أورد في هذا المقال أموراً لا يسعني الواقع إلا أن أكتب رداً عليها مما أعتقد أنه لا يستوي والموضوعية بشيء.

من الصعب أن تجد اختلاف اثنان على النضال المحلي لرجال كالدكتور الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس وأحمد السعدون المستمر بدوره، إلا أن طبيعة ما كتبه الدعيج في عملية حصر النضال الوطني في فئة دون الأخرى أمر غير مقبول، ذلك إذا ما أردناها من ناحية علمية، ثمة مشكلة علمية في مدى مشروعية استخدام وحصر كلمة "الوطنية" بقصد مدح فئة وبقصد آخر ضمني غير مباشر وأحياناً مباشر بقدح فئة أخرى في السياق الذي يورده الكاتب في مقاله، وما أعتقده من خلال دراستي وقراءتي في حقل العلوم السياسية، أن طبيعة مصطلح الوطنية عندما تُطلَق لنسب حادثة لواقعها، بمعنى القول أن فُلان كان وطنياً عندما تم إحتلال بلاده بالقوة و تحرك ضد القوات المعتدية، هذه هي الوطنية من خلال فهمي العلمي البسيط، إضافة إلى انها تعني الدفاع عن مكونات مفهوم الدولة القطرية الثلاث إذا ما تعرّضت لإعتداء بقصد الإيذاء ومكونتها هي: شعب بسيادة وسُلطة (بقصد السلطات الثلاث) وأرض! أما ما وقع فيه الكاتب الدعيج في حصره للعمل الوطني لفئة دون الأخرى بهذه الطريقة عبارة عن إسلوب غير علمي وغير منطقي أيضاً، كما أنه يتحدث (الدعيج) عن خريجوا الفرعيات ومثالبهم، ويلزم علي في البداية التوضيح بأن الإنتخابات الفرعية هي إنتخابات مخالفة للقانون ومجرمة يجب أن لا يتم العمل بها خاصة بعد  إصدار حكم المحكمة فيها مؤخراً، كما أنها تنقض طبيعة مفهوم الدولة المدنية والدولة الديمقراطية وقد تؤسس انقساماً ليس فقط على المستوى الإجتماعي إنما على حتى القائمون عليها، ولكن لا تقف الأمور عند هذه المسألة أبداً، إن القارئ للساحة الإنتخابية الكويتية، في شقيها الإجتماعي-السياسي سيجد أن أغلب المرشحون ليس لشخوصهم أي دور في إيصالهم للبرلمان، بل لعوائهم وطوائفهم وما هو داخل الطوائف من تعدد وانقسام له الدور الكبير في حسم هذا الصراع الإنتخابي، إن لا شيء يفرق الإنتخابات الفرعية من حيث الفلسفة عن إنتخاب أي شخص بناء على عائلته أو مذهبه من حيث الثقل العائلي أو المذهبي في المنطقة وهذه الشواهد والمؤشرات عليها كثيرة ، بل أن من المستحيل واقعياً على سبيل المثال أن يترشح شخصاً ليس له ثقل عائلي-طائفي في منطقة فيها تمركز طائفي بحت وصراع إنتخابي سني-شيعي وهو صاحب عقلية اكاديمية راقية لكنه ينجح في الإنتخابات لأسباب مذهبية بالضرورة، كما أن نسبة الفوز بالإنتخابات تكاد أن تكون معدومة مثلاً إذا ما ترشح شخصاً في دائرة أصلاً البحث في أسماء عوائل المرشحون وخلفياتهم وثقلهم هو القيمة الأولى والأسمى بدلاً من تقييم ما يحمل الشخص من أفكار ، فالقول مثلاً بأن إبن فلان هو المرشح بمثابة تأييد له لكونه إبن لفلان، وليس لأنه هو فلان و ما يتميز فيه من أفكار وشهادات وخبرات.. ألا يعتبر هذا متسقاً في الهدف مع الإنتخابات الفرعية ومختلفاً في الآلية؟ إن الإنتخابات الفرعية ما يفرّقها عن أي ترشيح آخر في دوائر ليست قبلية هي فقط وجود صندوق وأوراق (حسبما أعلم وكما هو معروف) لحسم غير رسمي لتوجيه وصب أصوات القبيلة الفلانية لمرشحيها أصحاب الثقل في داخل القبيلة ذاتها. إذاً بناءاً على ما ذكرت، من الواضح جداً أن لا فرق بين الإنتخابات الفرعية من حيث الفكر عن أي ذهنية إجتماعية لفئات أخرى طائفية وعائلية تكون موجودة في دوائر أخرى غير محسوبة على القبائل، وبعد كل ذلك هل من المنطقي ومن النهج العلمي أن نحصر نقدنا على خريجوا الفرعيات دون الحديث عن غيرهم؟ أهي المسألة فقط تتعلق بصندوق وأوراق لعقد إنتخابات مسبقة وغير رسمية؟ الإجابة المنطقية والمتأتية في سياق الحديث تحتم قول كلمة "لا". كما أن الكاتب الدعيج لم يذكر لنا ما أسباب وجود الإنتخابات الفرعية ومن أسسها و من سمح بها ومن كرسها؟ إن طبيعة المجتمعات المتمدنة شكلاً لا يعني أنها بالضرورة أن تكون مواتية بفكر موازي ومطابق للكامل بمفهوم الديمقراطية والمواطنة مآل سلوكها الإنتخابي والإجتماعي-السياسي سيكون هذا نمطه الدارج; إنتخابات فرعية وإنتخابات تتم بناء على معايير مذهبية وعائلية. إن المسؤول الأول عن عدم تنوير الناس وتوعيتهم فيما يتعلق بالثقافة السياسية و غرس قيم المواطنة هو توالي الحكومات من غير إهتمامها في شؤون محورية كهذه، بل أنني أشك في قدرة الحكومات على تعريف مصطلح المواطنة ولا أعرف كيف تنشد تطبيقه وهي تنقضه من خلال سياسة التوزير المبنية على التوازن الإجتماعي في الدولة وكأننا في دولة متقاسمة كلياً و تعاني من حروباً أهلية، فالحكومات كانت ولازالت تأخذ بمبدأ المحاصصة الإجتماعية في وزرائها، و هي في نفس الوقت بهذا الفعل تنقض ضمناً وبشكل مباشر وتخرق مفهوم المواطنة القائم على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. إذاً بناء على ما سبق ذكره، إن الإنتخابات الفرعية كآلية وفكر لا تختلف عن الإنتخابات الطائفية والمذهبية والعائلية و المسبب الأول لها هو إهمال الحكومة وأود أن أضيف إهمال مؤسسات المجتمع المدني فيها بشكل كبير، بالتالي يقع اللوم الأكبر ليس على فاعليها إنما على مهمليها، كما أن الدعيج تغافل بقصد أو بغير قصد أن ثمة تطوراً حدث في الإنتخابات الأخيرة وهذا واضح بالنسبة للمتابع للساحة الإنتخابية وعلى مستوى أبناء القبائل أن ثمة وعياً قد حدث وإنحسرت الإنتخابات الفرعية كثيراً عن ما كانت عليه في السابق لعدة أسباب، إلا أن الوعي الإنتخابي قد زاد وليست الإنتخابات الفرعية هي كما كانت عليه قبل عدة سنوات لكن الكاتب الدعيج لم يذكر هذا من لا قريب ولا بعيد بل تحدث و كأن الكويت ليس فيها إلا إنتخابات فرعية وهي رأس المشكلات.

أما فيما يتعلق برفع راية الوطنية والنضال الوطني المحتكر منذ سنوات على جماعة دون الأخرى، و نقد من يرفعها حالياً هو كلام أيضاً لا أرى فيه من الموضوعية شيء، قلت أن حصر عملية الوطنية وحكرها بهذه الطريقة هو أمر غير علمي وغير منطقي بل وغير إنساني، أين المشكلة في أن يحمل تلك الراية من يختلف معك بالفكر؟ إذا ما سلمّنا بفلسفة الكاتب الدعيج فيما ذكره في هذا السياق، وأسقطناه كمثال يُضرَب ولا يُقاس بالضرورة على الحالة الآتية : "نائب (من نتاج  إنتخابات فرعية) في مجلس الأمة يستجوب وزير على ملفات فساد واضحة لا لبس فيها والدليل ثابت عليه."  سيكون الموقف المنطقي بناء على فلسفة الدعيج المذكوره أعلاه في شأن إتخاذ موقف من هذا الإستجواب هو أحد الحالتين : 1- إما الوقوف ضد الإستجواب بغض النظر عن نتائجه فمقدمهُ خريج إنتخابات فرعية وهذا سبب كاف لرفضه. 2- إما الإمتناع في إتخاذ موقف و القيام فقط بإبداء الرأي في هذا الموضوع، على أن النائب المُستجوِب خريج إنتخابات فرعية والوزير فاسد لا يمكن بأي حال من الأحوال بسبب فساده الواضح الدفاع عنه. أهم مثلب لمنطق وفلسفة يتبناها الكاتب الدعيج كهذه هو أنها تفتقد للموضوعية، فربط المواضيع بهذه الطريقة ليس وسيلة إيجابية ولا تأتي بالنتائج، أقصد ربط أنه خريج إنتخابات فرعية ومستجوِب، قد يقول قائل كيف لخارق القانون الحديث عن الفساد؟ إلا أن المسألة برأيي ليست كذلك، الفصل بين المواضيع يجب أن يكون هو الحاسم، وتجزئة المواضيع بناء على سياقها وحيثياتها هو الأفضل، إضافة لمثلب آخر في فلسفة الدعيج، هو أنها لا تقدم أصلاً أي نوع من أنواع الحلول، إذ تقّدم رأياً فقط وباباً مسدود، الإثنان فاسدين; إذاً لا موقف لي!! إن هذا المنطق وهكذا فلسفة لا يتبناها الدعيج فقط إنما الكثيرين في طرحهم وهم أحرار فيه بلا شك، إلا أنني أرى أنها من أكثر الأفكار فاقدة للموضوعية والمنطق في تقييم الأمور وأبعادها، من جانب آخر في نفس الموضوع، حكر راية الوطنية لفئة، هو أن ليس ذنباً لمن يحملها الآن أن حامليها لم يأتوا بأجيال يسلموهم تلك الراية خوفاً من سرقتها، بل أصبحت ملقاة على الأرض، ورفعوها آخرين، هل المشكلة إذاً بالمُلقي أم بمن أخذها وتبناها؟

نقطة أخرى ينبغي التوقف عندها لأهميتها وهي في نفس السياق، حكر راية الوطنية والنضال الوطني، إن قراءة أي دراسة علمية حول ظواهر التغيير السياسي والإجتماعي بشكل متسلسل تاريخياً إلى الحاضر لا تجد فيه حجّة الدعيج في دعمه للقوى الوطنية بهذه الطريقة، إن الدراسات العلمية في الحراك السياسي الداخلي لا تُخضِع عقول الأشخاص للتقييم غير المبني على أسس علمية ومن ثم تقرر ما إذا كانت مواقفهم صحيحة أم خاطئة بهذه الطريقة، لصعوبة ذلك التقييم وقياس عقول الناس ومن يتحرك ليطالب بمطالب مشروعة قانونياً وإنسانياً وحقوقياً بل ولإنعدام حجيتها، و فلسفة الدعيج ومنطقه مرة أخرى، يجانب المنطق والموضوعية، فإذا ما أسقطناه مجدداً على مثال آخر يُضرَب ولا يُقاس سيأتي هكذا " الدعيج يرى بأن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يطالب من لا يؤمن بالمواطنة وبشكل كامل أن يطالب بالديمقراطية وإسقاط الفساد المتجلي الواضح، ويستقصد حدس (إخوان مسلمين الكويت) وخريجي الإنتخابات الفرعية، علماً بأن الحراك لم يكون محصوراً على هذين التكتلين، بل شمل باقي الكتل السياسية وأغلبها في الكويت، سيكون الوضع إذا ما طبقناه على حالة الحراكات الشعبية العربية المسماة بالثورات والربيع العربي، وفقاً لمنطق الدعيج، أن تلك الثورات وإن كانت مطالبها مستحقة لكنها  لا يجب أن تكون وتحقق لسبب بسيط وهو غياب الثقافة السياسية ومفهوم المواطنة في أذهان مطالبيها، فهل يعتقد الدعيج أن غالبية الشعب المصري المغلوب على أمره و خروج البسطاء في إسقاطهم لمحمد حسني مبارك كان يعني أنهم حاملين لثقافة سياسية مدنية و إيمان كامل بمفهوم المواطنة؟ وينطبق هذا على حالات عدة دول عربية أخرى، وكنتيجة لفلسفة الدعيج، إذاً أي حراك شعبي لا يجب أن يكون يتحقق ما لم يكن حامله مؤمناً بالوطنية، وهذا المنطق الذي يتبناه الدعيج ليس فقط لا يتسق مع الواقع، بل مع المنطق أيضاً! " إن الشعوب عندما تتحرك وعندما تطالب بشيء لا تتحرك بالعقول بالضرورة، إنما تتحرك لما تحتاجه و لتعويض ما تفقده خلال عدة مطالبات، إن الفساد إذا ما وصل لحالة سكين تخرق العظم هو حالة لا يمكن بأي حال من الأحوال إخراس الناس عنها بحجة أن من يقودوكم غير وطنيين، هل هناك إعتقاد بأن الناس ستنتظر خروج الوطنيين المرضي عنهم حتى تطالب بما تطالب به؟ هل بالضرورة من يطالب يجب أن يكون له ضوء أخضر وإذن خطي من جماعة لها كامل الإحترام والتقدير تُحتكر الوطنية فيها وتغيب ثم لا تُلام على غيابها ثم يُلام من يأتي بعدها؟

إضافة لما سبق ذكره، الكاتب الدعيج تجاهل في ذكره للحراك الأخير أنه ضم كل أطياف المجتمع، وحصره على خريجوا فرعيات و تنظيم حدس الإخواني في الكويت، علماً بأنه ضم الجميع، فيبدو لنا أن لا موضوعية ترتجى هنا.

-انتهى-

Thursday, July 25, 2013

لماذا نقاطع... سؤال وجواب.


1- لماذا نقاطع ؟

- لأن المقاطعة رسالة راقية وسلمية، تعبّر عن إرادة مجموعة من المواطنين إزاء رفض سياسة تتُخذ لا تتفق و إرادة الناس، ومن هذا المبدأ الديمقراطي لا يُفترض أن من الناحية الديمقراطية أن تكون السياسات بغير إرادة قطاع عريض من المواطنين.

2- لماذا المقاطعة بعد تحصين المحكمة الدستورية لمرسوم الصوت الواحد ؟

- وهل الأسباب المبدئية لرفض المرسوم باعتباره اخلالاً بإرادة البرلمان وقطاع عريض من الشعب تغّيرت بعد حكم المحكمة الدستورية؟ ماذا يعني تحصين حُكم قضائي تقديري خاضع لسُلطة قضاة محترمون لا يتجاوزوا العشرة أو العشرات أمام رفضه من قبل آلاف المواطنين؟ كما أن للقانون شرعية و حجيّة على الناس، فهناك شرعية بمثابة الأم للقانون، إن لم يَحترم إرادة الناس، فكيف يُطالب الناس بقبوله؟

3- لماذا لا تشاركون ؟

-إن الخوض في المشاركة يعني أننا نعود لذات قواعد اللعبة السياسية الكلاسيكية، والتي قد عشناها وعهدناها ولن يكون هناك فيها أمرٌ جديد، ذلك أن من غير المقبول منطقياً توقّع نتائج مختلفة بذات القواعد، بل أن من السذاجة أن نتوقّع استقراراً برلمانياً، طالما أن القواعد هي ذاتها لم تتغير.

4- أليست المقاطعة تعني التخلّي عن إصلاح البلد؟

-من السهل أن يطرح الإنسان أفكاراً منطقية، إلا أن منطقية الأفكار لا يعني أنها بالضرورة مناسبة لكل زمانٍ ومكان، بل الأفكار المنطقية أحياناً تكون مشروطة بالتوقيت والمبررات، فحسب التوقيت، والشواهد التاريخية والمبررات أقول أن المقاطعة كحجّة ووسيلة، تعتبر أكثر منطقية كوسيلة من المشاركة، ذلك أن المقاطعة تهدف إلى رفض الوضع القائم، أما المشاركة تعني القبول به بالضرورة، والقبول بهكذا واقع يعني توقّع النتائج نفسها وتكرار السيناريوهات، وبذلك لن نتقّدم بشيء.

5- "شارك، نتركها لمن؟"

- إنه لضحكٌ على الذقون و من السذاجة الاعتقاد أن العمل السياسي في الكويت يُعد ناضجاً من الناحية العملية، ذلك ان الكويت لازال فيها العمل السياسي عمل فردي، أي أن الناخبون يذهبون للتصويت لأفراد لا أحزاب، فالعمل الفردي لا يمكن أن يأتي بثماره في ظل غياب ما ينظّمه من مؤسسية حزبية، كما أن غياب خطط التنمية عن سياسات الحكومة والتي يُفترض أن تكون موجودة في أول يوم يُعقد به البرلمان وتقدّمها للمجلس، لا يُنبئ أننا نعيش في دولة ديمقراطية حقّة، فضلاً عن أن النظام السياسي الخليط بين النظام البرلماني-الرئاسي لم يؤدي إلى استقرار المؤسسة التشريعية، بل لم يستمر برلمان واحد مدتّه التشريعية الكاملة إلا مرة واحدة في تاريخ الكويت السياسي وهذه مشكلة، أما الأنكى من ذلك هو إبطال برلمانين في فترة قياسية لأسباب إجرائية(!!) إن كل تلك المؤشرات والمعطيات تدحض مقولة "نتركها لمن". نترك ماذا بالضبط فهل هناك عمل سياسي حقٌ وناضج؟

6- المقاطعة أثبتت فشلها، أليس كذلك؟

- ماهو معيار فشل المقاطعة ؟ لم أسمع أو أقرأ  أحد يذكر معيار واضح لهذه العبارة غير المنطقية، بل من الخطأ أن نقول أن المقاطعة فشلت، كيف تفشل وهي رسالة؟ إن هذه الفكرة كمن يعلّق على سبيل المثال على تجمّع مجموعة من الناس كي تعبّر عن رأيها في مكانٍ ما. إن المقاطعة وكما ذكرت رسالة كان ينبغي أن تُسمع وتصل، ما ذنب المقاطعون إن لم تتعاون الحكومة معهم وتسمعهم؟ إضافة أخرى، أن الشواهد تقول عكس ذلك تماماً، أي الشواهد تقول بنجاح المقاطعة، إن إصرار الحكومة على اجراء مصالحة سياسية-اجتماعية مع الفئات القبلية بالذات باعتبارها لُبّ المقاطعة ليس إلا دليل على تأثير المقاطعة على الحياة السياسية في الكويت.



Monday, July 22, 2013

الحكومة تصالحت مع الرموز و حاربت الشباب

مجرد قراءة سريعة للأحداث الأخيرة من مصالحة للحكومة و بعض القوى السياسية (بعض المستقّلون و التيارات المدنية الليبرالية "مجازاً" التحالف الوطني كنموذج) أما التيار المدني الليبرالي كالتحالف الوطني فكانت مقاطعته الأخيرة باستحياء، بل وكانت مقاطعتهم، برأيي الشخصي خجولة و علمت أن هناك من طالب المشاركة ترشيحاً وانتخاباً في انتخابات المجلس المُبطل 2، هذا التيار حاول تضليل البعض بحجّة أنه لا يعرف مدى قانونية المرسوم، وبعدما جاء قرار المحكمة الدستورية الأخير وحكمها بتحصين المرسوم فقرر المشاركة، وبهذا سيعود التحالف الوطني كتيار تجاري-حضري إلى واجهة المشهد السياسي مباركاً لحكم الدستورية، وبهذا ستكسب الحكومة الجولة على الحراك السياسي وأطرافه حيث أنها أطاحت بتيار بالرغم من عدم فعالّيته على المستوى العملي إلا أنه مهم على مستوى هويّة البرلمان فضلاً عن أهمية وجود قاعدته كرقم حتماً سيزيد من نسبة المشاركة وتباعاً ستقل المقاطعة، أما على مستوى القوى السياسية ذات الأبعاد الاجتماعية كالقبائل، يتبّين لنا أن الحكومة توجهّت نحو المصالحة بعدما جاءت المقاطعة ناجعة وكبيرة في انتخابات المجلس المُبطل الثاني بالذات مع القبائل الكبيرة في الكويت، وجرت المصالحة مع أبرز القبائل التي قاطعت انتخابات المجلس المبُطل 2،و من التناقضات الغريبة في الحكومة هو أنها دائماً تنادي بشعاراتها بضرورة الالتفاف حول الوطن والمواطنة، حين أنها تنقض ذلك من خلال محاولة تثبيت قوّة المشيخة القبلية، ذلك أنها وكما تظن، أن المشيخة القبلية لازالت كالسابق، حيث يكون  لأمير القبيلة أمر فيكون قراره محل ترحيب وطاعة عمياء، الأمور ليست كذلك، إن كان من في الحكومة يتفّكر.

على أية حالة، تحاول الحكومة الآن أن تغير من حلفائها السياسيين من خلال ما سأسميه بسياسة "الاحتواء والانفصال" فهي تحاول أن تحتوي حلفاء لهم قاعدة اجتماعية كبيرة كمدنيي الحضر (التحالف) و رموز القبائل، في مقابل التخلّي السياسي عن التيار السياسي الشيعي وبعض وجوهه، ويتبيّن لنا هذا في تصريحات النائبين السابقين كعبدالحميد دشتي والسيد حسين القلاف، وامتعاض كل من د. معصومة المبارك و فيصل الدويسان من تصرّفات الحكومة، كما أن أحد مؤشرات الانفصال الحكومي-السياسي (المبدئي الآن والحتمي في المستقبل) هو استضافة القنوات الموالية-دوماً للحكومة كالعدالة لشخصيات سياسية مقاطعة كالنائب السابق وعضو المنبر الديمقراطي المُقاطع للانتخابات صالح الملا، إذ أن من الغرابة في وقت انتخابات يفترض أن تكون القنوات الحكومية والموالية لها في أشد حالاتها دعوة للانتخابات، تأتي هذه القناة كي تستضيف شخص يطرح آراء حول المقاطعته وأهميتها و اشكالات حكم الدستورية المحصّن لمرسوم الصوت الواحد، وهذا لمؤشر على أن التحالفات قد تتجه نحو التغيير قريباً، و بهذا يبدو أن الحكومة تتوجّه نحو المصالحة، وفعلاً نجحت في استقطاب جزء كبير (حضر،قبائل) كما ألحظه ممن كان مقاطعاً في الانتخابات الماضية وقرر المشاركة في هذه الانتخابات، و حتماً أن نسبة المشاركة ستزيد عن ما كانت عليه في الانتخابات الماضية، في حين أن جاء التصالح الحكومي سياسي-اجتماعي، تحارب الحكومة الشباب في الجانب الآخر وتلاحقهم من خلال مقاضاتهم بسبب تغريدات تُكتب من هناك وهناك في عالم افتراضي وفي موقع يتيح حريّة التعبير، وبهذا لا يمكن أن نفهم أن الحكومة جديّة في مصالحتها طالما أنها كانت تحارب الشباب وتلاحقهم بإسم القانون، في حين أن الحراك السياسي الأخير كان حراكاً شبابياً بامتياز.

ظنّت الحكومة أن ثقل الحراك كان بمقاطعة التيار الوطني (التحالف) وبعض المستقلّون ممن لهم ثقل سياسي-اجتماعي-تجاري والقبائل (بشكل أكبر) وبهذا فإن تشرذم الحراك وعدم تنظيمه مقابل نيّة المشاركون-الجُدد للمشاركة في الانتخابات، سيظل الحراك تائهاً والمشاركة بازدياد، أما حريّات التعبير فلترقد بسلام في ظل حراك يُخترق بهذه الصورة و عقول تستخف بالناس بإسم القانون، وتستمد الحكومة قوّتها من مشروعية الملاحقة القضائية للشباب عبر ما يُكتب في تويتر من عدم وجود قواعد سياسية أو جذور اجتماعية-تجارية كبرى للمغردين في تويتر، فمن خلال عدم تأثير هؤلاء على الساحة السياسية، كما ترى الحكومة، ومن جانب آخر لا ثقل لهم وقاعدة نوعّية وكمّية مؤثرة، تحاول الحكومة أن تُعاقب هؤلاء من خلال ملاحقتهم وملاحقة نواياهم أيضاً فالمسألة لم تقف عند العبارات المباشرة بل الدخول في النوايا وتفسيرها، وبهذا فالحرية ككلمة تصبح شكل بلا مضمون لا لون لا رائحة لا طعم، وبهذا الحكومة نجحت إلى حد كبير في المصالحة مع رموز السياسة والمجتمع في الكويت وحاربت القطاع المهم والأهم، الحاضر والمستقبل، وهم الشباب، إن المصالحة، أي مصالحة كان ينبغي أن تكون مع الشباب ولهم، مصالحة مع الحريةّ، حرية التعبير والرأي، دون ذلك فلا قيمة لها.

Thursday, July 18, 2013

الاحتكاك مع المتعصّب.. تجربة جيدة برغم سوئها

أؤمن بأن التجارب السيئة تحمل برغم كل سلبياتها، إلا أنها تحمل قدراً من التبعات الإيجابية، ذلك أننا لا يمكن أن نتعلم و نتفكّر، ونستمر بطرح أسئلة جديدة لطالما كان احتكاكنا محصور على فئة ذات نطاق ضيق وتتكون من نظرائنا في الفكر والتفكير، صحيح، أن ثمة أنواع للتجارب بالذات المتعلقة بالاحتكاك مع من تختلف في الرأي بشكل جذري، فالاحتكاك على سبيل المثال مع المتعصّب الأعمى لخلفياته الاجتماعية، أو كل نوع من أنواع الاختلاف الذي يميّز ويصنّف البشر بناء على معايير غير منطقية  وتُفَرض على البشر بحكم الصدف البيولوجية والاجتماعية و لا شأن لهم في اختيارها كالدين واللون والجنس والعِرق والشكل والطول ونحوها، هذا النوع من الاحتكاك مع هذه الشاكلة من البشر قد يكون سوء الاحتكاك معهم أكثر من ايجابياته، إلا أنه من ناحية أخرى، به من الانعكاسات الناجعة الكثير، ذلك أن من يتعامل مع هؤلاء ويشترك معهم في النقاش، سيعرف بشكل مباشر كيف يفكّر هؤلاء، باعتبار أن التجربة الآن أصبحت مباشرة بين الأول والمتعصّب على سبيل المثال، فهو الآن يأخذ الفكرة من صاحب الفكرة، فيفهم آلية تفكيره و مسببات هذا النمط من الذهنيات، وبالرغم من خيبة الأمل التي تصاحب الطرف الأول المتسامح إزاء ما يتلقّاه من أفكار غير منطقية وتحمل قدراً كبيراً من التمييز والعنصرية، إلا أن النقاش والحوار المباشر بينهما قد يمكّن المتسامح -بطريقةٍ ما- في النقاش أن يُفهم ذاك الشخص بعواقب هذا النمط من التفكير وانعكاساته، ولعل وعسى أن يتأّثر ولو بقدرٍ قليل، حتى إن لم يكن هذا التأثير ظاهراً على شكل إجابة مباشرة، إلا أن التأثير والتأثّر قد يُبان عن طريق ملامح الوجه وتعبيراته، هذا الأمر يعكس مؤشر مفاده أن المتعصّب قد تلقّى فكرة جديدة، وبالرغم من عدم إقراره بمشكلة تفكيره بشكلٍ صريح، إلا أنه  الفكرة لا تزال عالقة في ذهنه، و من يعلم قد تتغيّر آرائه ويبدأ بالقراءة أكثر فأكثر فيتنوّر ذهنه و يتنقىّ من رواسب التعصّب و تبعاته.

 من هذا المنطلق تأتي أهمية الاحتكاك مع من تختلف، فيتبين أن في الاحتكاك مع الخصم الفكري مزايا:
 أولّها أن التجربة تكون مباشرة و لا تكون عن طريق القراءة أو النقل، وبهذا تكون واضحة وأكثر دقّة وعُمق.
 ثانيها أن الاحتكاك يجعل الشخص يفهم كيف آلية تفكير الآخر ومنطلقاته.
وثالها أن في حال الاحتكاك مع الخصوم المتعصبّون قد يسهم المتسامح بغرس بذرة التفكير المنطقي في عقولهم، أملاً أن يكون لهذا الحوار والاحتكاك نتيجة مآلها مزيد من التسامح.

Sunday, July 14, 2013

الحالة في مصر: أزمة مفاهيم علمية


حدث ما حدث في مصر، من عزلٍ للمؤسسة العسكرية للسطة بعد امهال الرئيس الاخواني د محمد مرسي فترة وجيزة، وعلى قدر فوضى مصر السياسية الآن و ضبابية مستقبل المشهد السياسي، جرت في الفترة الاخيرة نقاشات من اطرافٍ متعددة، جاء المؤشر الابرز فيها هو الخلط في المفاهيم، اذ من الممكن تقسيم ابرز الآراء والتوجهات لثلاثة فئات رئيسية:

 ١- فئة تبرر ما حدث وتصنّف عزل مرسي من العسكر على انه انحيازاً للشعب.
 ٢- فئة ترى ان ما حدث يُعد انقلاباً وهم مع عودة شرعية الرئيس وبقاؤه.
 ٣-فئة لا تؤيد مرسي بالضرورة وتنادي باجراء انتخابات مبكرة وترى الحالة في مصر محتقنة وضد الانقلاب.

 شخصياً اصتّف نفسي مع الفئة الثالثة، هذا المقال جاء ليطرح تساؤلات علمية للفئة الاولى التي اعتقد انها أكثر فئة بين الفئات الثلاث فقداناً للبُعد العلمي في شرح آرائها وتحليلاتها وتبريراتها، سأغير رأيي بالكامل في حال اجابة اي شخص يصنّف نفسه من الفئة الاولى بعد اجابته على هذه التساؤلات.

 1- تحديد تعريف منهجي للثورة الشعبية وربطه بموضوعية واسقاطه على حالة عزل د مرسي والحراك الاخير ضده.

 2- شرح ادبيات الانقلاب وتحديد ماهيته مروراً بكل انواعه، وتصنيف الحالة في مصر.

3- شرح ماهّية مقولة "الانحياز للشعب" بشكلٍ علمي رصين محكّم، مع وضع مؤشرات و أمثلة تاريخية قديمة أو حديثة.

4- إثبات نزاهة المؤسسة العسكرية في مصر بعد عهد الرئيس السابق حسني مبارك و شفافيتها.

5- شرح ما يتعلق في الدولة العميقة و ماذا عن دور (فلول) العهد السابق وأثرهم على المشهد الحالي، مدى مشاركتهم أم انعزالهم للعمل السياسي.

 - الهدف العلمي مما ذُكر أمران: اثبات علمي ان ما حدث ثورة فعلية، اثبات علمي ان ما حدث لا يُعد انقلاباً عسكرياً.

 الاجابة على التساؤلات انفة الذكر مشروطه بالاحتكام لمصادر علمية. كالكتب المعتبرة في العلوم السياسية، الانثروبولوجيا، علم الاجتماع السياسي، والابحاث العلمية، التاريخ، شروحات فلسفية، مقالات بدوريات اكاديمية، استشهادات و اقتباسات من اكاديميين معتبرين في مجالات تخصصهم.

-انتهى-

Thursday, July 11, 2013

الاستبداد بين العلم والعلماء والعوام: في إطار كتاب عبدالرحمن الكواكبي

يقول الكواكبي في معرض حديثه عن علاقة العلماء، بالاستبداد بكتابه الشهير "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، يقول ".. أن المستبد يخاف من هؤلاء العلماء العاملين الراشدين المرشدين، لا من العلماء المنافقين أو الذين حفر رؤوسهم محفوظات كثيرة كأنها مكتباب مقفلة!" ويضيف "كما يبغض المستبد العلم سلطاناً أقوى من كل سلطان، فلابد للمستبد أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على عين من هو أرقى منه علماً، ولذلك لا يحب المستبد أن يرى وجه عالم عاقل يفوق عليه فكراً، فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار الغبي المتصاغر المتملق. وعلى هذه القاعده بنى ابن خلدون قوله <فاز المتملقّون> وهذه طبيعة كل المتكبرين بل في غالب الناس (..) وينتج مما تقدم أن بين الاستبداد والعلم حرباً دائمه وطراداً مستمراً:يسعى العلماء في تنوير العقول ويجتهد المستبد في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام" ويعّرف هنا الكواكبي العوام إذ يصفهم "هم أولئك الذين إذا جهلوا خافو، وإذا خافوا استسلموا، كما أنهم هم الذين متى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا" و يستطرد حول العوام بأنهم "العوام هم قوّة والمستبد وقوته، بهم عليهم يصول ويطول; يأسرهم، فيتهللون لشوكته: ويغصب أموالهم، فيحمدونه على إبقائه حياتهم:ويهينهم فيثنون على رفعته:ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم، يقولون كريماً:واذا قتل منهم ولم يمثّل، يعتبرونه ريحماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعون حذر التوبيخ:وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاء"

يتبيّن لنا مما تقّدم، أن الكواكبي يرى بأهمية العلم كأداة ووسيلة لتنوير العقول لمحاربة الاستبداد من جانب، ومن جانب آخر هناك من المتعلمين المتنورين من يشرعن الاستبداد وهذا فيه بالغ الإساء للعلم وللشخص ذاته، و من هؤلاء يستمد المستبد قوّته، إذ لقبّهم ب"العلماء المنافقين" وحتماً هم كذلك، لا يمكن لأي شخص متعلم أن يكون شخصاً عاقلاً فيشرعن الاستبداد ويبرره، إلا في حالة أنه من الوضع مستفيد، أو أنه يخشى على نفسه من ظُلم قد يصلى، وفي الحالتين هو يسيء لنفسه ولما تلقّاه من علمٍ و حكمة، إن عمر الاستبداد يطول طالما استمر العلماء بالنفاق، وإن أمد الاستبداد ليبقى طالما كانوا هناك عواماً يبررون الاستبداد ويرضونه على أنفسهم بل يبررون القمع تحت ذرائع عدّة، وهؤلاء يقع عليهم اللوم ولا يقع; فلا شك أن من يرتضي الاستبداد ويقبَل لا معنى للحرية في ذهنه، ومن جانب آخر لا يقع اللوم إذ أن قدوته المستبد في قمة الهرم، يحيطه الجلاوزه والمتمصلحون، و يحموه من ثقافة ال"لا" أفّاكي العلم من المنافقين.

إنه لأسوأ أنواع الاستبداد ذاك الذي يستمد مشروعيته من نصوص دينية وروايات لا نعلم صدقيتها من عدمها، و بكل موضوعية أقولها وتجرّد، أننا في تراثنا نعاني من تناقضات جمّة، فهذا من يشرعن الاستبداد وذاك من يرفضه، بإسم الدين والتاريخ، يختلفان إلا أنهم بمنهجية واحدة; البحث في التراث إما عن ما يشرعن الاستبداد تحت ذريعة الطاعة السياسية للإمام\السُلطان، وهو اصطلاح مذكور في الفكر السياسي الإسلامي، أو من يرفضه أو يشرط رفضه وفق ضوابط معينة، أيضاً في إطار الفكر الديني، عموماً، أقولها وبكل صراحة، نحن لا نحتاج ولا يُفترض أن نكون محتاجون لاستخدام نصوصاً تراثية مقدّسة حتى نرفض الاستبداد، ماذا لو كان تراثنا خالياً من نصوصٍ ترفض الاستبداد؟ هل من الممكن، من الناحية المنطقية القبول به؟ حتماً لا، لذلك رفض لا يحتاج أن يُدعّم ويُسند بأي نص أو مثال.