Thursday, July 11, 2013

الاستبداد بين العلم والعلماء والعوام: في إطار كتاب عبدالرحمن الكواكبي

يقول الكواكبي في معرض حديثه عن علاقة العلماء، بالاستبداد بكتابه الشهير "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، يقول ".. أن المستبد يخاف من هؤلاء العلماء العاملين الراشدين المرشدين، لا من العلماء المنافقين أو الذين حفر رؤوسهم محفوظات كثيرة كأنها مكتباب مقفلة!" ويضيف "كما يبغض المستبد العلم سلطاناً أقوى من كل سلطان، فلابد للمستبد أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على عين من هو أرقى منه علماً، ولذلك لا يحب المستبد أن يرى وجه عالم عاقل يفوق عليه فكراً، فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار الغبي المتصاغر المتملق. وعلى هذه القاعده بنى ابن خلدون قوله <فاز المتملقّون> وهذه طبيعة كل المتكبرين بل في غالب الناس (..) وينتج مما تقدم أن بين الاستبداد والعلم حرباً دائمه وطراداً مستمراً:يسعى العلماء في تنوير العقول ويجتهد المستبد في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام" ويعّرف هنا الكواكبي العوام إذ يصفهم "هم أولئك الذين إذا جهلوا خافو، وإذا خافوا استسلموا، كما أنهم هم الذين متى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا" و يستطرد حول العوام بأنهم "العوام هم قوّة والمستبد وقوته، بهم عليهم يصول ويطول; يأسرهم، فيتهللون لشوكته: ويغصب أموالهم، فيحمدونه على إبقائه حياتهم:ويهينهم فيثنون على رفعته:ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم، يقولون كريماً:واذا قتل منهم ولم يمثّل، يعتبرونه ريحماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعون حذر التوبيخ:وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاء"

يتبيّن لنا مما تقّدم، أن الكواكبي يرى بأهمية العلم كأداة ووسيلة لتنوير العقول لمحاربة الاستبداد من جانب، ومن جانب آخر هناك من المتعلمين المتنورين من يشرعن الاستبداد وهذا فيه بالغ الإساء للعلم وللشخص ذاته، و من هؤلاء يستمد المستبد قوّته، إذ لقبّهم ب"العلماء المنافقين" وحتماً هم كذلك، لا يمكن لأي شخص متعلم أن يكون شخصاً عاقلاً فيشرعن الاستبداد ويبرره، إلا في حالة أنه من الوضع مستفيد، أو أنه يخشى على نفسه من ظُلم قد يصلى، وفي الحالتين هو يسيء لنفسه ولما تلقّاه من علمٍ و حكمة، إن عمر الاستبداد يطول طالما استمر العلماء بالنفاق، وإن أمد الاستبداد ليبقى طالما كانوا هناك عواماً يبررون الاستبداد ويرضونه على أنفسهم بل يبررون القمع تحت ذرائع عدّة، وهؤلاء يقع عليهم اللوم ولا يقع; فلا شك أن من يرتضي الاستبداد ويقبَل لا معنى للحرية في ذهنه، ومن جانب آخر لا يقع اللوم إذ أن قدوته المستبد في قمة الهرم، يحيطه الجلاوزه والمتمصلحون، و يحموه من ثقافة ال"لا" أفّاكي العلم من المنافقين.

إنه لأسوأ أنواع الاستبداد ذاك الذي يستمد مشروعيته من نصوص دينية وروايات لا نعلم صدقيتها من عدمها، و بكل موضوعية أقولها وتجرّد، أننا في تراثنا نعاني من تناقضات جمّة، فهذا من يشرعن الاستبداد وذاك من يرفضه، بإسم الدين والتاريخ، يختلفان إلا أنهم بمنهجية واحدة; البحث في التراث إما عن ما يشرعن الاستبداد تحت ذريعة الطاعة السياسية للإمام\السُلطان، وهو اصطلاح مذكور في الفكر السياسي الإسلامي، أو من يرفضه أو يشرط رفضه وفق ضوابط معينة، أيضاً في إطار الفكر الديني، عموماً، أقولها وبكل صراحة، نحن لا نحتاج ولا يُفترض أن نكون محتاجون لاستخدام نصوصاً تراثية مقدّسة حتى نرفض الاستبداد، ماذا لو كان تراثنا خالياً من نصوصٍ ترفض الاستبداد؟ هل من الممكن، من الناحية المنطقية القبول به؟ حتماً لا، لذلك رفض لا يحتاج أن يُدعّم ويُسند بأي نص أو مثال.

No comments: