Wednesday, July 10, 2013

تدوين الدستور الإسلامي; رؤية المفكر أبو الأعلى المودودي تلخيص ونقد

هذا تلخيص لكتاب المفكر الإسلامي أبو الأعلى المودودي "تدوين الدستور الإسلامي " ، مفكر إٍسلامي ساهم في إثراء بحر الفكر السياسي الإسلامي ، لهذا المفكر مؤلفات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر : مبادئ الإسلام ونظرين الإسلام الخلقية وتدوين الدستور الإسلامي والحكومة الإسلامية والأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية والحجاب وموجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه، وغيرها الكثير.

هناك ثمة أفكار محورية ، على ضوئها كتب أبو الأعلى المودودي فكره، وصاغها من أجل أن يكوّن فكره السياسي بشكل متكامل ذو طابع إسلامي قح ، يبدأ في الشريعة الإسلامية وينتهي إليها ، لأبو الأعلى عدة أفكار سياسية رئيسة تندرج تحتها أفكار فرعية ، وفيما يلي أفكار أبو الأعلى المودودي الرئيسة فيما يتعلق بفكره السياسي الإسلامي:

1- النظرية السياسية الإسلامية 

2- مبادئ الحكم في الإسلام : وتتضمن * هدف الحكومة الإسلامية ، مزاج الحكومة الإسلامية ، نظام الشورى الإسلامي ، في العدل والإحسان ، مبادئ انتخاب القيادات ، مبادئ الحرب والسلام.

فيما يلي ، تفصيل وشرح لفكرة محورية طرحها أبو الأعلى المودودي وهي :

أولاً: النظرية السياسية الإسلامية : ( وتندرج تحتها عدة أفكار فرعية وهي :* وضعية الدولة الإسلامية ، *غاية الدولة الإسلامية ، *الدولة الفكرية ، *نظرية الخلافة ، *الديمقراطية الإسلامية ، *التوافق بين الفردية والاجتماعية ، *الدولة الإسلامية ويتألف عنها )

-يؤكد أبو الأعلى المودودي في النظرية السياسية الإسلامية على أن جوهر النظام السياسي الإسلامي وما يميزه هو وجود مبدأ يسمى بـ " الحاكمية الإلهية " , وهذا المبدأ يعني بأن لا يحق لأي بشر كان بأن يشرع قوانين وضعية سارية على سائر المسلمون ويطيعونه ويسلمون أمرهم له ، ولا يحق حتى للأنبياء والرسل في أن يشرعوا فيما لم يأمر به الله عز وجل ، إذ أن الواجب المناط على المسلمون هو طاعة الله عز وجل فيما يأمر فقط، أي طاعة المخلوق للخالق ، لا طاعة المخلوق لنظيره المخلوق ،  وتكون طاعة الخالق عن طريق الرسل والأنبياء بما أمرهم عز وجل ، وذلك عن طريق الوحي الإلهي ، ويستند أبو الأعلى المودودي على عدة دلائل قرآنية تؤكد على حجية أفكاره منها قوله تعالى في كتابه الكريم " (إن الحكم إلا لله ألا تعبدوا إلا إياه وذلك الدين القيم) " في سورة يوسف الأية 40. 

وعلى ضوء ما ذُكر آنفاً، بالإمكان تحليل وفهم نظام الدولة الإسلامية ، منها أن تكون الدولة قائمة على مبدأ الحاكمية الإلهية فقط، وأن الدولة الإسلامية تأتي بقوانين إلهية عن طريق الوحي الإلهي للرسول وهي دائمة وليست لزمان ومكان معين بل هي لكل زمان ومكان لأنها تشريعات إلهية لابد من طاعتها طاعة مطلقة ، وأخيراً مصدر التشريع في الدولة الإسلامية التي شرحها أبو الأعلى المودودي هو الله سبحانه وتعالى فقط.

*وضعية الدولة الإسلامية :

-يرى أبو الأعلى المودودي بأن الخصائص التي ترتكز عليها الدولة الإسلامية هي ليست خصائص ديمقراطية قطعاً ولا يمكن وصفها بهذا المسمى ، على اعتبار أن الديمقراطية هي بالنهاية "حكم الشعب من الشعب وللشعب " وبالتالي العقل والقانون الوضعي الناتج للتفكير العقلاني في الديمقراطية بمعناها التقليدي ، يتناقض مع وبصراحة بمبدأ الحاكمية الإلهية الذي يستند على تشريعات إلهية منصوص عليها ولابد من تطبيقها دون غيرها ، ويرى بأن من الأصح الإطلاق على النظام السياسي الاسلامي ب"الثيوقراطية الإسلامية" وهي تختلف مع "الثيوقراطية الأوروبية" إذ أن الثانية تخول سلطاتها بيد من هم يدّعون لحقهم الإلهي في الحكم وهو باطل وهم بذلك الدور يخادعون الشعب ، على عكس الأولى "الثيوقراطية الإسلامية" التي تُعطى لكافة المسلمون إدارة شؤونهم من خلال ماهو منصوص عليه صراحة في الكتاب والسنة النبوية ، وإذا برزت الحاجة لإجتهاد لتفسير نص ديني لا يتم تخويل إلا من بيدهم الاختصاص وهم الأعلم في شؤون التفسير ، أي توكيل العمل لأصحابه، وأن لابد على الدولة الإسلامية أن تتبع المبادئ الإلهية وما ورد من الأحكام الإلهية القطعية في كتابه عز وجل،  لأنها تحمي سلوك الإنسان الفطري من الإنحراف، بدلاً من أن يتم الاعتماد على التشريع العقلي-الإنساني الذي لا يخلو من القصور والنقص ، في مقابل الكمال عن طريق طاعة الله سبحانه وتعالى في أحكامه.

*غاية الدولة الإسلامية :

-إن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء والرسل وكونهم كذلك فإن يمكن اعتبارهم "قوة سياسية " ، هدف تلك القوة السياسية واحد و هو هدف سامي ورفيع ، وهو تطبيق العدالة الاجتماعية بين سائر الخلق عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن كافة المنكرات التي قد يقوم بها بنو البشر، إن النظام السياسي الإسلامي الذي يدعو لتطبيق العدالة الاجتماعية هو نظام حضاري مميز يدخل في كافة شؤون حياة الإنسان ، و مع أشبهيته بنظام الحكومة الفاشية أو الشيوعية إلا أن المفارقة تكمن بأن النظام الإسلامي له حدود واضحة في تبيان الحق والباطل ، و ليست له أي مقاصد في تقييد الحريات الإنسانية مالم تتعدى حدود الله في كتابه وسنة نبيه.

* الدولة الفكرية :

-وكما أن للدولة الإسلامية دستور إلهي وهو كتابه جل شأنه وعلى ، فإن ما لأحد الحق في تولي الدولة إلا وأن يكون مؤمن إيمان كامل وتام وشامل في ذلك الدستور الإلهي وفي أحكامه وفي ما يورد من أحكام وعبر ، لمن سبق و من قرأ ومن سيأتيه الخبر ،  وفي داخل الدولة الإسلامية يحُظر التفريق بين كافة المسلمون وغيرهم من البشر ، بنسل أو بِلون أو بأصل عليه الإنسان قد ظهر ، إلا أن تحديداً لا يحق لأهل الذمة في تولي شؤون الدولة الإسلامية ، وقد فّصل الدين الإسلامي في شأنهم ما يجب القيام تجاههم بكل سلم وتحاب ، على كل ،  بشكل أوضح، إن الدولة الفكرية يجب أن تكون مرجعيتها (الدستور الإلهي) مغروسة غرساً تاماً في فكر من يتولوا شؤونها ، عن طريق تدبر أحكامها، وإذا ما تحقق ذلك، فإن الهدف الأسمى لهم تطبيق ما أراده الله سبحانه، ولن تكون للمصلحة الشخصية الأنانية مساحة ومكان في هذه الحالة.

* نظرية الخلافة :

-لا مناص من التسليم في النظام السياسي الإسلامي لابو الأعلى المودودي ، بأن الحاكم الحقيقي هو الله جل شأنه وعلى ، ولكنه أيضاً جل شأنه وعلى قد ذكر في كتابه الحكيم وأعطى الحق للصالحين في خلافته في الأرض وهم ينوبون عنه ، وتلك الخلافة هي لكافة المسلمون لا تُعطى بشكل مخصوص لأسرة أو لعرق معين، بل هي من الله سبحانه إلى المؤمنون كافة.

*الديمقراطية الإسلامية :

-ما ذُكر آنفاً تحت عنوان "نظرية الخلافة" في أن المؤمنين كافة لهم حق الخلافة ، هو ما يمكن وصفه على أنه من الديمقراطة الإسلامية ، و متى ما تم تطبيق الديمقراطة الإسلامية من غير نقصان فلا للمفاسد مكان بين صفوف المسلمين ، لأن الخلافة تتسم بالعمومية لسائر المسلمين , ومن شروطها الإيمان وعمل الصالحات ، و على ضوء ذلك الأمر "مبدأ عمومية خلافة المؤمنين" فإن كل صاحب حق سيأخذ حقه ، و لا لأحد الحق في أن يعلو ويسمو على غيره ، أي لا طائفة ولا نسل ولا جماعة ولا أسرة تأخذ حق غيرها ، لأن الجميع سواسية ، و ليس بإمكان الخليفة بأن ينتزع حق الخلافة عن غيره وينصب نفسه ولي على شؤون المسلمون لأن بذلك إكراه وغصب ، وهذا عكس الخلافة تماماً ، وللذكر والأنثى حق ورأي في مصير الدولة.

*التوافق بين الفردية والاجتماعية :

-وهذا ما يميز النظام الإسلامي ، أي التوافق بين الفرد وبين الجماعة ، فلا للفرد حقه الأناني على الجماعة ، ولا للجماعة حق في سلب حقوق فرد من أفرادها ، وهم متوافقان يتكاملان بين و مع بعضيهما البعض ، لا يتم تهميش أهمية الفرد كإنسان كما الحال في وضع الحكومات الشيوعية ، ولا يتم تبجيل الفرد فوق الجماعة أحياناً في وضعية الديمقراطية الغربية، فللفرد في النظام الإسلامي حقوق عليه واجبات ، وهو للجماعة والجماعة هي منه، وغاية الفرد هي غاية الجماعة في النهاية وهي تنفيذ القانون الإلهي.

*الدولة الإسلامية وما يتألف عنها:

-للخليفة دور هام في الدولة الإسلامية ، إلا أنه في نهاية الأمر لا يعلو على المسلمين ولا يسمو عليهم ، لأنه بالنهاية من اختيارهم على اعتبار انه من أتقاهم ، والخلافة هي عمومية ولكنها تمحورت فيه من باب ثقة المسلمون فيه ، و هناك ثمة تفصيل فيما يتعلق للخليفة في النظام الإسلامي ، وهو كالآتي:
1- التقوى هو المصدر الرئيسي لإختيار الخليفة وتنبني عليها ثقة المسلمين، وعلى المسلمون الطاعة للأوامر والنواهي ، لأنها بالنهاية تنفيذ لأحكام إلهية واجبة التبيان والطاعة والتنفيذ.

2-لا أفضلية على الخلافة على سائر المسلمين ، لأنه شخص منهم ، قد يجانبه الصواب أحياناً وللأمة حق في عزله ومحاكمته.

3-وجوب وجود مجلس شورى للمسلمين ، ولا إشكالية من مبدأ التصويت الانتخابي.

4-على اعتبار ان الشائع في المجالس أن الاحتكام في التشريع يكون للأغلبية، إلا أن نظام الشورى الإسلامي في رأي أبو الأعلى يتميز على أن قد يكون رأي الأقلية هو الأصوب وقد يحتكم عليه ولي الأمر -ولـــكن- بصورة حيادية بدون اللجوء للأهواء الشخصية وإلا فإن للأمة حق لهم في عزله من منصبه.

5- منع لانتخاب لمجلس الشورى أو للإمارة، لما في ذلك من دعايات  وكذب المرشحين فيها على المؤمنين ، وهي من نتاج الديمقراطية الشيطانية التي لا شأن لنا فيها.

6- حظر الانقسام الحزبي في مجلس الشورى، فالآراء فردية لأن الإسلام يحرم التحزب ، والحق حق في أن يتبع وهو لا يرتبط بحزب دون غيره ، من هنا يأتي الحظر.

7- التفريق والفصل بين منصب القضاء والخلافة ، فالخليفة ممكن أن يحتكم للقاضي في حالات، كما أن للفقير والفلاح وغيرهم الحق في ذلك.

-

ثانياً: مبادئ الحكم والدولة في الإسلام  ،هدف الحكومة الإسلامية :

-إن هدف الحكومة الإسلامية هو ما ورد في دستورها ، أي القرآن الكريم عن طريق تطبيق القانون الإلهي في الدولة الإسلامية في إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات ونشر الخير ، وأصحاب السلطة في الدولة الإسلامية واجبة عليهم تلك الدعوة أيضاً، فلابد من تطبيق العدالة و الاحتكام الدائم للقانون الإلهي لما في ذلك من خير وأجر في الدنيا ، ووعد عظيم في الآخرة ، والله سبحانه وتعالى فضّل الأمة الاسلامية دون غيرها في الإمامة بعد ما كانت لبني إسرائيل لأنهم انحرفوا عن الحق، واصبحت القبلة في مكة بدلاً من القدس، وما على المؤمنين إلا الدعوة، وإقامة العدل، والجهاد لإزالة كل العوائق التي تقف فيما أمر الله سبحانه وتعالى.

*مزاج الحكومة الإسلامية:

-للحكومة الإسلامية دوران محوريان ، الدور الأول هو أن تقوم بدورها على أن تبلغ بالدعوة الإسلامية الصحيحة، وتوضح الطريق إلى النور، من دون أن تفرض سيطرتها بالقوة وقسراً على غير المسلمين , ولغير المسلمين الحق في اختيار "الحق والباطل" لأن الله عز وجل لو شاء لجعل كل ضال مسلم وهداه إلى الحق المبين، والدور الآخر وهو دور "الداعية" لإقامة القانون الإلهي ، ومبادئ الدين الإسلامي في أرض الواقع ، ودعى الإسلام المسلمين لإرشاد غيرهم والعمل على نصحهم من أجل الدخول للإسلام ذلك الدين السمح المسالم الذي يقوم على المساواة، وحتى في الدولة الإسلامية لا يجري التفريق بين المسلمين وبين أهل الذمة في النواحي القانونية والواجبات، ولكن المفارقة تكمن في أن لا حق لأهل الذمة في المشاركة السياسية فقط وسائرها هو جائز، والحكومة الإسلامية هي بالنهاية تتسم باللين والرحمة إلى جانب القوة ، مع التسليم بأن لا تأخذ بمبدأ الإكراه لنظامها.

*الشورى :

-الشورى واجبة التنفيذ وذلك لأنها مذكوره في القرآن الكريم ، وهي من مقومات النظام الإسلامي ، وهي واجبة لأن التفرد في القرار على الآخرين دون "مشاورتهم" هو عمل ظالم، ولا يمكن في أن يفسر الإنسان الأمور وفق ما يراه هو وحده دون أن يعطي أي اعتبار لآراء الآخرين وبهذا يكون تعدى على حرياتهم في الاختيار ، والمؤمن بكل تأكيد ليس هكذا ، فلابد للمسلم في مشاورة المسلمين لما في ذلك من رحمة ومودة وتطبيقاً لما أراد الله سبحانه وتعالى من أجل عمومية الإنصاف والعدل، والشورى في الإسلام ليست فقط في القرارات السياسية بل هي تكون تقريباً في كافة الأمور الحياتية الاجتماعية للمسلم، كالشورى بينه وبين زوجته، وعائلته، وقبيلته وغيرهم،  وهي اسلوب حياة في الإسلام.

وقول الخالق عز وجل في كتابه " (وأمرهم شورى بينهم ) " (س، الشورى آية 28) هي قاعدة لخمس متطلبات من الواجب توافرها لكي تتحقق :
1- الحرية هي مبدأ أساسي يجب أن يتسم فيه المسلمون، بمعنى أن لايكون هناك إكراه في رأي أو إجبار قسري لاتخاذ موقف معين ، مما في ذلك في إعلاء شأن كلمة الحق، فالناس أحرار فيما يقولون، ولهم الحق في عزل ولي الأمر إذا ما ولى أمره بغير ما أمر الخالق جل شأنه وعلى.

2- وكما أن الحرية مبدأ للمسلمون ، كذلك الحال لمبدأ "الرضا" أو القبول من كافة المسلمين كأساس لشرعية القائد، فالرضا مرتبط بالحرية، فلا حرية بدون رضا، ولا رضا بدون حرية، لإن إذا ما انشقت الحرية عن سياق الرضا، فإنها ستدخل في الإجبار، وهنا تتعارض مع مضمون الحرية ، رضا المسلمون على الحاكم أو ولي الأمر هو أساس الشرعية وقبولهم به لتصريف أمور المجتمع، ولايمكن استخدام اسلوب الشرعنة بصورة قسرية على المسلمون.

3- يتم اختيار من يتشاور مع القائد عن طريق ثقة الشعب لا التزوير والرشاوي.

4- لابد من اتباع ممثلون المسلمين لضمائرهم، وألا يأخذهم الطمع أو الخوف من جماعة ما ومراعاة مصلحتها لما في ذلك من غدر وخيانة وانحراف عن واجبهم الاساسي.

5- وجوب التسليم بإجماع آراء أهل الشورى من قبل ولي الأمر بعد أن يستمع لهم جميعاً.

ولابد من التنويه بأن الشورى في الإسلام ليست مطلقة بل هي تتعلق في إصلاح أمور المسلمين إذا ما برزت الحاجة لتفسير نص ديني يبنى عليه تشريع.

*العدل والإحسان :

-يأمر الله عز وجل في كتابه بالعدل ، أي العدل بين الناس ، وأيضاً يأمر في المساواة ولا مفاضلة بين المسلمون ، والعدل في تركيبته هو أن يتم تحقيق التوازن بين الناس، وأن يتم إعطاء كل ذي حق حقه ، ويأمر الله تعالى بالإحسان والمقصود بالإحسان هو السلوك الكريم القويم وُحسن المعاملة ودماثة الخلق ، بالإضافة إلى التواصل وصلة الأرحام وهي مرتبطة في الإحسان،  وكما أن لله عز وجل أخلاقيات يدعونا إلى اتباعها، فهناك ما نهى عنه وهي الفحشاء أي كافة الامور المخجلة ، كالعري واللواط وغيرها ، والمنكر وهو كل سيء ، والبغي بمعنى التعدي على حقوق الغير .

*مبادئ انتخاب القيادات :

-هناك ثمة مبادئ إسلامية تميز الحكومة الإسلامية عن غيرها في انتخاب القيادات وهي الأمانة والدين والتقوى والسلوك وحسن الخلق والكفاءة، وواجب على عاتق المسلمين يجتنبوا الوقوع فريسة للآثام، كما كان الحال مع بنو إسرائيل، ولابد على الأمة الإسلامية أن لا تطيع من يتبع أهوائه، ومن يسرف ويفسد في الأرض ويعبث بها.

*مبادئ الحرب والسلام :

-إن الدولة الإسلامية مكان وبقعة جغرافية لرقي الإنسان ورفعة شأنه تحت راية لا اله إلا الله ، وتطبيقاً لقانونه الإلهي ، وبما أن النظام الإسلامي دين يدخل في كافة فروع الدولة، ويحث على التكامل الاجتماعي بين المسلمين، فهناك أهمية كبيرة تقع على عاتق الجانب الأمني أو العسكري ، فمن الواجب على الدولة الإسلامية أن تكون لها قوة عسكرية  لدخول الحرب ضد من يريد تدمير ما أراده الله في أرضه ، لأن الرغبة في تدمير دار المسلمين هي حرب ضد الله ورسوله.

ووضع الإسلام ما يسمى بالجزية، وهو ما يدفعه أهل الذمة للدولة الإسلامية نظير حصولهم على الأمن والحماية من الدولة ، وهي بمثابة عملية "تصغير" لهم ، أو لإحساسهم بالقبول والطاعة للدولة الإسلامية، ومبلغ الجزية هو كحصيلة للحرية لأهل الذمة التي يحضون بها في الدولة الإسلامية، وهي ليست للتفريق أو للظلم، إنما هي لإشعار أهل الذمة بفكرة مفادها كالآتي : " بأنكم يا أهل الذمة تدفعونها كل عام من أجل بقائكم ، والزكاة يدفعها المسلمون للفقراء ، أترون الفرق إذاً ؟! فما أنتم بفاعلين ؟ "

- نهاية الملخّص-

أما النقد لما ورد أعلاه من أفكار تتبين في التالي:


1- في نقد مبدأ الحاكمية الإلهية الذي تصوره المودودي : 

دعا المودودي لتطبيق مبدأ الحاكمية الإلهية ، ووصف الديمقراطية الغربية بأنها "شيطانية" ، ولم يوضّح ماهية الديمقراطية الشيطانية، وماهي مسببات "شيطانيتها" كما أورده؟ وهذا يُعد ضعفاً ويقلل من حجّية الإقناع ، أما الديمقراطية الغربية إطار عملها السياسي داخل البرلمان ليست إلا صراع-فكري-سلمي نحو الوصول لقرارات أفضل، وهي نتاج لإستخدام العقل، بالنهاية الديمقراطية هي من نتاج الفكر الإنساني وكونها كذلك فإنها ليست بالضرورة نظام مثالي ومتكامل ، بل هي ظهرت كنتاج لرقي الفكر الإنساني الحضاري المتمدن في الرقابة والتشريع والمشاركة الشعبية في الحكم.

2- في نقد مصطلح الدولة الفكرية :

بكل بساطة، ما ذكره المفكر الكبير أبو الأعلى المودودي في شأن مدى "إيمــــان" المسلمين بالدستور والقانون الإلهي وبالتالي تطبيقه في الدولة أرى بأنه كلام مثالي بعيد عن الواقع، يسمى بUtopia Of a Religious State ، والفكرة بعيدة عن ممارسات المسلمين اليوم ، بعيدة عن النظم السياسية القائمة ، بعيدة حتى عن الدولة العثمانية التي سقطت والتي شهدها قبل وفاته رحمه الله سقوطها، فإن أردت المطاع: فاطلب المستطاع، الدولة اليوم تغير مفهومها، برزت المواطنة والقومية والشعوب بدل من أن تفرقها الأديان أصبحت الدول تجمعها وتساوي بينها في كل شيء، أصبح الانصهار في بوتقة الوطن هو الهدف الأسمى لكل دولة ، بدلاً من التركيز على الجوانب الدينية أو الروحانية، الدولة بالنسبة لي أراها كما فسرها ابن خلدون، نتاج للعصبية، والعصبية لاتكون بالضرورة دينية، وإقامتها طبيعية وضرورة.

3- في نقد رفض أبو الأعلى للعمل الحزبي :

الأحزاب في الدول المتقدمة لا النامية هي من الناحية العملية صراعات فكرية سلمية مع وضع برنامج انتخابي يعمل على اساسه الحزب بعد وصوله للسلطة ، وفي مقابله المعارضه، تحاول التصيد في أخطاء الحزب الحاكم ، وهو تنافس صحي من أجل تحقيق الأفضل لا الأسوء، أين الإشكالية ؟ صحيح بأن الحق حق أين مكان ووجب ان يُتّبع، ولكن العمل الحزبي ليس خطيئة، وهو متطلب مكمل لأي نظام ديمقراطي.

4- في نقد "الثيوقراطية الإسلامية " :

أرى بأن الثيوقراطية هي واحدة لا تتجزأ، لا يُعاب بالضرورة إلى الديــــن الإسلامي ، بالتأكيد لا ، هناك فارق كبير بين الدين وبين من يتكلم بإسم الدين من أمراء\سلاطين\ولاة أمر لهم مصالح يحققونها تحت ستار الدين ، فالحل أراه بالديمقراطية والصراع الفكري السلمي العقلي نحو القرار الأفضل ، بدلاً من التيهان في متاهات الثيوقراطية، وتنصيب شخص يدعي بأنه يطبق الأحكام الإلهية، ماهي أصلاً المعايير الصحيحة للحكم على أن هذا أو ذاك يطبق القانون الالهي تطبيقاً كاملا وصحيحاً ؟! وإن كانت الأمة التي تحكم، ماهي المعايير التي على أساسها نصنف أن هذه الأمة وصلت من العلم (!!) لتقييم السلطان في تطبيق القانون الالهي ؟ التاريخ مدرسة تملؤها الدروس والعبر والتاريخ يذكرنا ويقول ، إن الثيوقراطية أصبحت اليوم مقترنة بالاستبداد.

5- في نقد الجزية في النظام الإسلامي الذي أورده المودودي :

الجزية وقتذاك قد تكون مناسبة، أو قد يتم تبريرها تحت أي ذريعة ما و قد يتم قبولها بأدنى درجات القبول، إلا أنني لا أرى من حيث المنطق جعلها نظام دائم ومطلق في كل زمان ومكان ، الجزية وفقاً لمعايير حقوق الإنسان اليوم هي تفرقة و عنصرية، بل أن لا يمكن أن تزيد دولة من قوتها وهي تفرق بين مواطنيها على أساس الدين ، فإلى جانب القوة العسكرية وغيرها ، تكمن القوة الاجتماعية في تعايشها من خلال تطبيق القانون والعدالة والمساواة على جميع، لا على التمييز على اساس ديني وهذا من شأنه أن يجلب حالة من اللااستقرار والفوضى الداخلية.

6- في نقد رؤية المودودي لنظام الحكم الإسلامي كمجمل:

بشكلٍ عام، جاءت رؤية المفكر أبو الأعلى المودودي عامّة و تتسم بالضبابية وعدم الوضوح، غير موضوعية تماماً، تضمنّت أفكاراً لم تعد قابلة للتنفيذ في هذا الزمن وإذا ما نُفذت فهي مداخل لمشكلات متباينة، علاوة على استخدامه لمصطلحات غير متفق عليها من حيث التعريفات كقوله لشروط الخلافة هي "الإيمان وعمل الصالحات" وبذلك جاءت كتابات المودودي كما أراها هي أقرب للتمنيات من كونها مجارية للواقع وتغيراته، وبما أنها كذلك فإن قيمتها من الناحية العملية ضعيفة، أما من الناحية الفكرية والعلمية فلا شك أنها تُعد إثراءاً لحقل الفكر السياسي في العلوم السياسية.

No comments: