Wednesday, July 31, 2013

في الرد على الكاتب عبداللطيف الدعيج

هذا مقال قديم كُتب منذ سنة رداً على مقال كتبه الدعيج في القبس بالإمكان قراءته عبر هذا الرابط.
http://www.alqabas.com.kw/node/85910

-

يورد الكاتب عبداللطيف الدعيج في مقالته تحت عنوان " خريجوا الفرعيات ومواليد التزوير والتعديل " أفكار عدة، مهاجماً فيها بعض نواب مجلس الأمة، أو أقلية مجلس أمة 2009 و أغلبية مجلس أمة 2012 المبطل مؤخراً بسبب خطأ إجرائي في مرسوم الحل، كما أنه ينتقد طبيعه خطاب الأغلبية وإصدارها بياناً، وينتقد منها من ينتقد فكرة تعديل الدوائر، بحجة أن الدوائر قد عُدِّلت سابقاً لأسباب فوز شاكلتهم، ويتحدث عن خريجوا الفرعيات على طريقة القذافي " من أنــتم " في سرقتكم للنضال الوطني؟

شخصياًَ متابع منذ سنوات للكاتب الدعيج، أختلف وأتفق في نقاط وهذه هي طبيعة الأمور أن تتفق وتختلف، إلا أنه قد أورد في هذا المقال أموراً لا يسعني الواقع إلا أن أكتب رداً عليها مما أعتقد أنه لا يستوي والموضوعية بشيء.

من الصعب أن تجد اختلاف اثنان على النضال المحلي لرجال كالدكتور الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيس وأحمد السعدون المستمر بدوره، إلا أن طبيعة ما كتبه الدعيج في عملية حصر النضال الوطني في فئة دون الأخرى أمر غير مقبول، ذلك إذا ما أردناها من ناحية علمية، ثمة مشكلة علمية في مدى مشروعية استخدام وحصر كلمة "الوطنية" بقصد مدح فئة وبقصد آخر ضمني غير مباشر وأحياناً مباشر بقدح فئة أخرى في السياق الذي يورده الكاتب في مقاله، وما أعتقده من خلال دراستي وقراءتي في حقل العلوم السياسية، أن طبيعة مصطلح الوطنية عندما تُطلَق لنسب حادثة لواقعها، بمعنى القول أن فُلان كان وطنياً عندما تم إحتلال بلاده بالقوة و تحرك ضد القوات المعتدية، هذه هي الوطنية من خلال فهمي العلمي البسيط، إضافة إلى انها تعني الدفاع عن مكونات مفهوم الدولة القطرية الثلاث إذا ما تعرّضت لإعتداء بقصد الإيذاء ومكونتها هي: شعب بسيادة وسُلطة (بقصد السلطات الثلاث) وأرض! أما ما وقع فيه الكاتب الدعيج في حصره للعمل الوطني لفئة دون الأخرى بهذه الطريقة عبارة عن إسلوب غير علمي وغير منطقي أيضاً، كما أنه يتحدث (الدعيج) عن خريجوا الفرعيات ومثالبهم، ويلزم علي في البداية التوضيح بأن الإنتخابات الفرعية هي إنتخابات مخالفة للقانون ومجرمة يجب أن لا يتم العمل بها خاصة بعد  إصدار حكم المحكمة فيها مؤخراً، كما أنها تنقض طبيعة مفهوم الدولة المدنية والدولة الديمقراطية وقد تؤسس انقساماً ليس فقط على المستوى الإجتماعي إنما على حتى القائمون عليها، ولكن لا تقف الأمور عند هذه المسألة أبداً، إن القارئ للساحة الإنتخابية الكويتية، في شقيها الإجتماعي-السياسي سيجد أن أغلب المرشحون ليس لشخوصهم أي دور في إيصالهم للبرلمان، بل لعوائهم وطوائفهم وما هو داخل الطوائف من تعدد وانقسام له الدور الكبير في حسم هذا الصراع الإنتخابي، إن لا شيء يفرق الإنتخابات الفرعية من حيث الفلسفة عن إنتخاب أي شخص بناء على عائلته أو مذهبه من حيث الثقل العائلي أو المذهبي في المنطقة وهذه الشواهد والمؤشرات عليها كثيرة ، بل أن من المستحيل واقعياً على سبيل المثال أن يترشح شخصاً ليس له ثقل عائلي-طائفي في منطقة فيها تمركز طائفي بحت وصراع إنتخابي سني-شيعي وهو صاحب عقلية اكاديمية راقية لكنه ينجح في الإنتخابات لأسباب مذهبية بالضرورة، كما أن نسبة الفوز بالإنتخابات تكاد أن تكون معدومة مثلاً إذا ما ترشح شخصاً في دائرة أصلاً البحث في أسماء عوائل المرشحون وخلفياتهم وثقلهم هو القيمة الأولى والأسمى بدلاً من تقييم ما يحمل الشخص من أفكار ، فالقول مثلاً بأن إبن فلان هو المرشح بمثابة تأييد له لكونه إبن لفلان، وليس لأنه هو فلان و ما يتميز فيه من أفكار وشهادات وخبرات.. ألا يعتبر هذا متسقاً في الهدف مع الإنتخابات الفرعية ومختلفاً في الآلية؟ إن الإنتخابات الفرعية ما يفرّقها عن أي ترشيح آخر في دوائر ليست قبلية هي فقط وجود صندوق وأوراق (حسبما أعلم وكما هو معروف) لحسم غير رسمي لتوجيه وصب أصوات القبيلة الفلانية لمرشحيها أصحاب الثقل في داخل القبيلة ذاتها. إذاً بناءاً على ما ذكرت، من الواضح جداً أن لا فرق بين الإنتخابات الفرعية من حيث الفكر عن أي ذهنية إجتماعية لفئات أخرى طائفية وعائلية تكون موجودة في دوائر أخرى غير محسوبة على القبائل، وبعد كل ذلك هل من المنطقي ومن النهج العلمي أن نحصر نقدنا على خريجوا الفرعيات دون الحديث عن غيرهم؟ أهي المسألة فقط تتعلق بصندوق وأوراق لعقد إنتخابات مسبقة وغير رسمية؟ الإجابة المنطقية والمتأتية في سياق الحديث تحتم قول كلمة "لا". كما أن الكاتب الدعيج لم يذكر لنا ما أسباب وجود الإنتخابات الفرعية ومن أسسها و من سمح بها ومن كرسها؟ إن طبيعة المجتمعات المتمدنة شكلاً لا يعني أنها بالضرورة أن تكون مواتية بفكر موازي ومطابق للكامل بمفهوم الديمقراطية والمواطنة مآل سلوكها الإنتخابي والإجتماعي-السياسي سيكون هذا نمطه الدارج; إنتخابات فرعية وإنتخابات تتم بناء على معايير مذهبية وعائلية. إن المسؤول الأول عن عدم تنوير الناس وتوعيتهم فيما يتعلق بالثقافة السياسية و غرس قيم المواطنة هو توالي الحكومات من غير إهتمامها في شؤون محورية كهذه، بل أنني أشك في قدرة الحكومات على تعريف مصطلح المواطنة ولا أعرف كيف تنشد تطبيقه وهي تنقضه من خلال سياسة التوزير المبنية على التوازن الإجتماعي في الدولة وكأننا في دولة متقاسمة كلياً و تعاني من حروباً أهلية، فالحكومات كانت ولازالت تأخذ بمبدأ المحاصصة الإجتماعية في وزرائها، و هي في نفس الوقت بهذا الفعل تنقض ضمناً وبشكل مباشر وتخرق مفهوم المواطنة القائم على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. إذاً بناء على ما سبق ذكره، إن الإنتخابات الفرعية كآلية وفكر لا تختلف عن الإنتخابات الطائفية والمذهبية والعائلية و المسبب الأول لها هو إهمال الحكومة وأود أن أضيف إهمال مؤسسات المجتمع المدني فيها بشكل كبير، بالتالي يقع اللوم الأكبر ليس على فاعليها إنما على مهمليها، كما أن الدعيج تغافل بقصد أو بغير قصد أن ثمة تطوراً حدث في الإنتخابات الأخيرة وهذا واضح بالنسبة للمتابع للساحة الإنتخابية وعلى مستوى أبناء القبائل أن ثمة وعياً قد حدث وإنحسرت الإنتخابات الفرعية كثيراً عن ما كانت عليه في السابق لعدة أسباب، إلا أن الوعي الإنتخابي قد زاد وليست الإنتخابات الفرعية هي كما كانت عليه قبل عدة سنوات لكن الكاتب الدعيج لم يذكر هذا من لا قريب ولا بعيد بل تحدث و كأن الكويت ليس فيها إلا إنتخابات فرعية وهي رأس المشكلات.

أما فيما يتعلق برفع راية الوطنية والنضال الوطني المحتكر منذ سنوات على جماعة دون الأخرى، و نقد من يرفعها حالياً هو كلام أيضاً لا أرى فيه من الموضوعية شيء، قلت أن حصر عملية الوطنية وحكرها بهذه الطريقة هو أمر غير علمي وغير منطقي بل وغير إنساني، أين المشكلة في أن يحمل تلك الراية من يختلف معك بالفكر؟ إذا ما سلمّنا بفلسفة الكاتب الدعيج فيما ذكره في هذا السياق، وأسقطناه كمثال يُضرَب ولا يُقاس بالضرورة على الحالة الآتية : "نائب (من نتاج  إنتخابات فرعية) في مجلس الأمة يستجوب وزير على ملفات فساد واضحة لا لبس فيها والدليل ثابت عليه."  سيكون الموقف المنطقي بناء على فلسفة الدعيج المذكوره أعلاه في شأن إتخاذ موقف من هذا الإستجواب هو أحد الحالتين : 1- إما الوقوف ضد الإستجواب بغض النظر عن نتائجه فمقدمهُ خريج إنتخابات فرعية وهذا سبب كاف لرفضه. 2- إما الإمتناع في إتخاذ موقف و القيام فقط بإبداء الرأي في هذا الموضوع، على أن النائب المُستجوِب خريج إنتخابات فرعية والوزير فاسد لا يمكن بأي حال من الأحوال بسبب فساده الواضح الدفاع عنه. أهم مثلب لمنطق وفلسفة يتبناها الكاتب الدعيج كهذه هو أنها تفتقد للموضوعية، فربط المواضيع بهذه الطريقة ليس وسيلة إيجابية ولا تأتي بالنتائج، أقصد ربط أنه خريج إنتخابات فرعية ومستجوِب، قد يقول قائل كيف لخارق القانون الحديث عن الفساد؟ إلا أن المسألة برأيي ليست كذلك، الفصل بين المواضيع يجب أن يكون هو الحاسم، وتجزئة المواضيع بناء على سياقها وحيثياتها هو الأفضل، إضافة لمثلب آخر في فلسفة الدعيج، هو أنها لا تقدم أصلاً أي نوع من أنواع الحلول، إذ تقّدم رأياً فقط وباباً مسدود، الإثنان فاسدين; إذاً لا موقف لي!! إن هذا المنطق وهكذا فلسفة لا يتبناها الدعيج فقط إنما الكثيرين في طرحهم وهم أحرار فيه بلا شك، إلا أنني أرى أنها من أكثر الأفكار فاقدة للموضوعية والمنطق في تقييم الأمور وأبعادها، من جانب آخر في نفس الموضوع، حكر راية الوطنية لفئة، هو أن ليس ذنباً لمن يحملها الآن أن حامليها لم يأتوا بأجيال يسلموهم تلك الراية خوفاً من سرقتها، بل أصبحت ملقاة على الأرض، ورفعوها آخرين، هل المشكلة إذاً بالمُلقي أم بمن أخذها وتبناها؟

نقطة أخرى ينبغي التوقف عندها لأهميتها وهي في نفس السياق، حكر راية الوطنية والنضال الوطني، إن قراءة أي دراسة علمية حول ظواهر التغيير السياسي والإجتماعي بشكل متسلسل تاريخياً إلى الحاضر لا تجد فيه حجّة الدعيج في دعمه للقوى الوطنية بهذه الطريقة، إن الدراسات العلمية في الحراك السياسي الداخلي لا تُخضِع عقول الأشخاص للتقييم غير المبني على أسس علمية ومن ثم تقرر ما إذا كانت مواقفهم صحيحة أم خاطئة بهذه الطريقة، لصعوبة ذلك التقييم وقياس عقول الناس ومن يتحرك ليطالب بمطالب مشروعة قانونياً وإنسانياً وحقوقياً بل ولإنعدام حجيتها، و فلسفة الدعيج ومنطقه مرة أخرى، يجانب المنطق والموضوعية، فإذا ما أسقطناه مجدداً على مثال آخر يُضرَب ولا يُقاس سيأتي هكذا " الدعيج يرى بأن لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يطالب من لا يؤمن بالمواطنة وبشكل كامل أن يطالب بالديمقراطية وإسقاط الفساد المتجلي الواضح، ويستقصد حدس (إخوان مسلمين الكويت) وخريجي الإنتخابات الفرعية، علماً بأن الحراك لم يكون محصوراً على هذين التكتلين، بل شمل باقي الكتل السياسية وأغلبها في الكويت، سيكون الوضع إذا ما طبقناه على حالة الحراكات الشعبية العربية المسماة بالثورات والربيع العربي، وفقاً لمنطق الدعيج، أن تلك الثورات وإن كانت مطالبها مستحقة لكنها  لا يجب أن تكون وتحقق لسبب بسيط وهو غياب الثقافة السياسية ومفهوم المواطنة في أذهان مطالبيها، فهل يعتقد الدعيج أن غالبية الشعب المصري المغلوب على أمره و خروج البسطاء في إسقاطهم لمحمد حسني مبارك كان يعني أنهم حاملين لثقافة سياسية مدنية و إيمان كامل بمفهوم المواطنة؟ وينطبق هذا على حالات عدة دول عربية أخرى، وكنتيجة لفلسفة الدعيج، إذاً أي حراك شعبي لا يجب أن يكون يتحقق ما لم يكن حامله مؤمناً بالوطنية، وهذا المنطق الذي يتبناه الدعيج ليس فقط لا يتسق مع الواقع، بل مع المنطق أيضاً! " إن الشعوب عندما تتحرك وعندما تطالب بشيء لا تتحرك بالعقول بالضرورة، إنما تتحرك لما تحتاجه و لتعويض ما تفقده خلال عدة مطالبات، إن الفساد إذا ما وصل لحالة سكين تخرق العظم هو حالة لا يمكن بأي حال من الأحوال إخراس الناس عنها بحجة أن من يقودوكم غير وطنيين، هل هناك إعتقاد بأن الناس ستنتظر خروج الوطنيين المرضي عنهم حتى تطالب بما تطالب به؟ هل بالضرورة من يطالب يجب أن يكون له ضوء أخضر وإذن خطي من جماعة لها كامل الإحترام والتقدير تُحتكر الوطنية فيها وتغيب ثم لا تُلام على غيابها ثم يُلام من يأتي بعدها؟

إضافة لما سبق ذكره، الكاتب الدعيج تجاهل في ذكره للحراك الأخير أنه ضم كل أطياف المجتمع، وحصره على خريجوا فرعيات و تنظيم حدس الإخواني في الكويت، علماً بأنه ضم الجميع، فيبدو لنا أن لا موضوعية ترتجى هنا.

-انتهى-

Thursday, July 25, 2013

لماذا نقاطع... سؤال وجواب.


1- لماذا نقاطع ؟

- لأن المقاطعة رسالة راقية وسلمية، تعبّر عن إرادة مجموعة من المواطنين إزاء رفض سياسة تتُخذ لا تتفق و إرادة الناس، ومن هذا المبدأ الديمقراطي لا يُفترض أن من الناحية الديمقراطية أن تكون السياسات بغير إرادة قطاع عريض من المواطنين.

2- لماذا المقاطعة بعد تحصين المحكمة الدستورية لمرسوم الصوت الواحد ؟

- وهل الأسباب المبدئية لرفض المرسوم باعتباره اخلالاً بإرادة البرلمان وقطاع عريض من الشعب تغّيرت بعد حكم المحكمة الدستورية؟ ماذا يعني تحصين حُكم قضائي تقديري خاضع لسُلطة قضاة محترمون لا يتجاوزوا العشرة أو العشرات أمام رفضه من قبل آلاف المواطنين؟ كما أن للقانون شرعية و حجيّة على الناس، فهناك شرعية بمثابة الأم للقانون، إن لم يَحترم إرادة الناس، فكيف يُطالب الناس بقبوله؟

3- لماذا لا تشاركون ؟

-إن الخوض في المشاركة يعني أننا نعود لذات قواعد اللعبة السياسية الكلاسيكية، والتي قد عشناها وعهدناها ولن يكون هناك فيها أمرٌ جديد، ذلك أن من غير المقبول منطقياً توقّع نتائج مختلفة بذات القواعد، بل أن من السذاجة أن نتوقّع استقراراً برلمانياً، طالما أن القواعد هي ذاتها لم تتغير.

4- أليست المقاطعة تعني التخلّي عن إصلاح البلد؟

-من السهل أن يطرح الإنسان أفكاراً منطقية، إلا أن منطقية الأفكار لا يعني أنها بالضرورة مناسبة لكل زمانٍ ومكان، بل الأفكار المنطقية أحياناً تكون مشروطة بالتوقيت والمبررات، فحسب التوقيت، والشواهد التاريخية والمبررات أقول أن المقاطعة كحجّة ووسيلة، تعتبر أكثر منطقية كوسيلة من المشاركة، ذلك أن المقاطعة تهدف إلى رفض الوضع القائم، أما المشاركة تعني القبول به بالضرورة، والقبول بهكذا واقع يعني توقّع النتائج نفسها وتكرار السيناريوهات، وبذلك لن نتقّدم بشيء.

5- "شارك، نتركها لمن؟"

- إنه لضحكٌ على الذقون و من السذاجة الاعتقاد أن العمل السياسي في الكويت يُعد ناضجاً من الناحية العملية، ذلك ان الكويت لازال فيها العمل السياسي عمل فردي، أي أن الناخبون يذهبون للتصويت لأفراد لا أحزاب، فالعمل الفردي لا يمكن أن يأتي بثماره في ظل غياب ما ينظّمه من مؤسسية حزبية، كما أن غياب خطط التنمية عن سياسات الحكومة والتي يُفترض أن تكون موجودة في أول يوم يُعقد به البرلمان وتقدّمها للمجلس، لا يُنبئ أننا نعيش في دولة ديمقراطية حقّة، فضلاً عن أن النظام السياسي الخليط بين النظام البرلماني-الرئاسي لم يؤدي إلى استقرار المؤسسة التشريعية، بل لم يستمر برلمان واحد مدتّه التشريعية الكاملة إلا مرة واحدة في تاريخ الكويت السياسي وهذه مشكلة، أما الأنكى من ذلك هو إبطال برلمانين في فترة قياسية لأسباب إجرائية(!!) إن كل تلك المؤشرات والمعطيات تدحض مقولة "نتركها لمن". نترك ماذا بالضبط فهل هناك عمل سياسي حقٌ وناضج؟

6- المقاطعة أثبتت فشلها، أليس كذلك؟

- ماهو معيار فشل المقاطعة ؟ لم أسمع أو أقرأ  أحد يذكر معيار واضح لهذه العبارة غير المنطقية، بل من الخطأ أن نقول أن المقاطعة فشلت، كيف تفشل وهي رسالة؟ إن هذه الفكرة كمن يعلّق على سبيل المثال على تجمّع مجموعة من الناس كي تعبّر عن رأيها في مكانٍ ما. إن المقاطعة وكما ذكرت رسالة كان ينبغي أن تُسمع وتصل، ما ذنب المقاطعون إن لم تتعاون الحكومة معهم وتسمعهم؟ إضافة أخرى، أن الشواهد تقول عكس ذلك تماماً، أي الشواهد تقول بنجاح المقاطعة، إن إصرار الحكومة على اجراء مصالحة سياسية-اجتماعية مع الفئات القبلية بالذات باعتبارها لُبّ المقاطعة ليس إلا دليل على تأثير المقاطعة على الحياة السياسية في الكويت.



Monday, July 22, 2013

الحكومة تصالحت مع الرموز و حاربت الشباب

مجرد قراءة سريعة للأحداث الأخيرة من مصالحة للحكومة و بعض القوى السياسية (بعض المستقّلون و التيارات المدنية الليبرالية "مجازاً" التحالف الوطني كنموذج) أما التيار المدني الليبرالي كالتحالف الوطني فكانت مقاطعته الأخيرة باستحياء، بل وكانت مقاطعتهم، برأيي الشخصي خجولة و علمت أن هناك من طالب المشاركة ترشيحاً وانتخاباً في انتخابات المجلس المُبطل 2، هذا التيار حاول تضليل البعض بحجّة أنه لا يعرف مدى قانونية المرسوم، وبعدما جاء قرار المحكمة الدستورية الأخير وحكمها بتحصين المرسوم فقرر المشاركة، وبهذا سيعود التحالف الوطني كتيار تجاري-حضري إلى واجهة المشهد السياسي مباركاً لحكم الدستورية، وبهذا ستكسب الحكومة الجولة على الحراك السياسي وأطرافه حيث أنها أطاحت بتيار بالرغم من عدم فعالّيته على المستوى العملي إلا أنه مهم على مستوى هويّة البرلمان فضلاً عن أهمية وجود قاعدته كرقم حتماً سيزيد من نسبة المشاركة وتباعاً ستقل المقاطعة، أما على مستوى القوى السياسية ذات الأبعاد الاجتماعية كالقبائل، يتبّين لنا أن الحكومة توجهّت نحو المصالحة بعدما جاءت المقاطعة ناجعة وكبيرة في انتخابات المجلس المُبطل الثاني بالذات مع القبائل الكبيرة في الكويت، وجرت المصالحة مع أبرز القبائل التي قاطعت انتخابات المجلس المبُطل 2،و من التناقضات الغريبة في الحكومة هو أنها دائماً تنادي بشعاراتها بضرورة الالتفاف حول الوطن والمواطنة، حين أنها تنقض ذلك من خلال محاولة تثبيت قوّة المشيخة القبلية، ذلك أنها وكما تظن، أن المشيخة القبلية لازالت كالسابق، حيث يكون  لأمير القبيلة أمر فيكون قراره محل ترحيب وطاعة عمياء، الأمور ليست كذلك، إن كان من في الحكومة يتفّكر.

على أية حالة، تحاول الحكومة الآن أن تغير من حلفائها السياسيين من خلال ما سأسميه بسياسة "الاحتواء والانفصال" فهي تحاول أن تحتوي حلفاء لهم قاعدة اجتماعية كبيرة كمدنيي الحضر (التحالف) و رموز القبائل، في مقابل التخلّي السياسي عن التيار السياسي الشيعي وبعض وجوهه، ويتبيّن لنا هذا في تصريحات النائبين السابقين كعبدالحميد دشتي والسيد حسين القلاف، وامتعاض كل من د. معصومة المبارك و فيصل الدويسان من تصرّفات الحكومة، كما أن أحد مؤشرات الانفصال الحكومي-السياسي (المبدئي الآن والحتمي في المستقبل) هو استضافة القنوات الموالية-دوماً للحكومة كالعدالة لشخصيات سياسية مقاطعة كالنائب السابق وعضو المنبر الديمقراطي المُقاطع للانتخابات صالح الملا، إذ أن من الغرابة في وقت انتخابات يفترض أن تكون القنوات الحكومية والموالية لها في أشد حالاتها دعوة للانتخابات، تأتي هذه القناة كي تستضيف شخص يطرح آراء حول المقاطعته وأهميتها و اشكالات حكم الدستورية المحصّن لمرسوم الصوت الواحد، وهذا لمؤشر على أن التحالفات قد تتجه نحو التغيير قريباً، و بهذا يبدو أن الحكومة تتوجّه نحو المصالحة، وفعلاً نجحت في استقطاب جزء كبير (حضر،قبائل) كما ألحظه ممن كان مقاطعاً في الانتخابات الماضية وقرر المشاركة في هذه الانتخابات، و حتماً أن نسبة المشاركة ستزيد عن ما كانت عليه في الانتخابات الماضية، في حين أن جاء التصالح الحكومي سياسي-اجتماعي، تحارب الحكومة الشباب في الجانب الآخر وتلاحقهم من خلال مقاضاتهم بسبب تغريدات تُكتب من هناك وهناك في عالم افتراضي وفي موقع يتيح حريّة التعبير، وبهذا لا يمكن أن نفهم أن الحكومة جديّة في مصالحتها طالما أنها كانت تحارب الشباب وتلاحقهم بإسم القانون، في حين أن الحراك السياسي الأخير كان حراكاً شبابياً بامتياز.

ظنّت الحكومة أن ثقل الحراك كان بمقاطعة التيار الوطني (التحالف) وبعض المستقلّون ممن لهم ثقل سياسي-اجتماعي-تجاري والقبائل (بشكل أكبر) وبهذا فإن تشرذم الحراك وعدم تنظيمه مقابل نيّة المشاركون-الجُدد للمشاركة في الانتخابات، سيظل الحراك تائهاً والمشاركة بازدياد، أما حريّات التعبير فلترقد بسلام في ظل حراك يُخترق بهذه الصورة و عقول تستخف بالناس بإسم القانون، وتستمد الحكومة قوّتها من مشروعية الملاحقة القضائية للشباب عبر ما يُكتب في تويتر من عدم وجود قواعد سياسية أو جذور اجتماعية-تجارية كبرى للمغردين في تويتر، فمن خلال عدم تأثير هؤلاء على الساحة السياسية، كما ترى الحكومة، ومن جانب آخر لا ثقل لهم وقاعدة نوعّية وكمّية مؤثرة، تحاول الحكومة أن تُعاقب هؤلاء من خلال ملاحقتهم وملاحقة نواياهم أيضاً فالمسألة لم تقف عند العبارات المباشرة بل الدخول في النوايا وتفسيرها، وبهذا فالحرية ككلمة تصبح شكل بلا مضمون لا لون لا رائحة لا طعم، وبهذا الحكومة نجحت إلى حد كبير في المصالحة مع رموز السياسة والمجتمع في الكويت وحاربت القطاع المهم والأهم، الحاضر والمستقبل، وهم الشباب، إن المصالحة، أي مصالحة كان ينبغي أن تكون مع الشباب ولهم، مصالحة مع الحريةّ، حرية التعبير والرأي، دون ذلك فلا قيمة لها.

Thursday, July 18, 2013

الاحتكاك مع المتعصّب.. تجربة جيدة برغم سوئها

أؤمن بأن التجارب السيئة تحمل برغم كل سلبياتها، إلا أنها تحمل قدراً من التبعات الإيجابية، ذلك أننا لا يمكن أن نتعلم و نتفكّر، ونستمر بطرح أسئلة جديدة لطالما كان احتكاكنا محصور على فئة ذات نطاق ضيق وتتكون من نظرائنا في الفكر والتفكير، صحيح، أن ثمة أنواع للتجارب بالذات المتعلقة بالاحتكاك مع من تختلف في الرأي بشكل جذري، فالاحتكاك على سبيل المثال مع المتعصّب الأعمى لخلفياته الاجتماعية، أو كل نوع من أنواع الاختلاف الذي يميّز ويصنّف البشر بناء على معايير غير منطقية  وتُفَرض على البشر بحكم الصدف البيولوجية والاجتماعية و لا شأن لهم في اختيارها كالدين واللون والجنس والعِرق والشكل والطول ونحوها، هذا النوع من الاحتكاك مع هذه الشاكلة من البشر قد يكون سوء الاحتكاك معهم أكثر من ايجابياته، إلا أنه من ناحية أخرى، به من الانعكاسات الناجعة الكثير، ذلك أن من يتعامل مع هؤلاء ويشترك معهم في النقاش، سيعرف بشكل مباشر كيف يفكّر هؤلاء، باعتبار أن التجربة الآن أصبحت مباشرة بين الأول والمتعصّب على سبيل المثال، فهو الآن يأخذ الفكرة من صاحب الفكرة، فيفهم آلية تفكيره و مسببات هذا النمط من الذهنيات، وبالرغم من خيبة الأمل التي تصاحب الطرف الأول المتسامح إزاء ما يتلقّاه من أفكار غير منطقية وتحمل قدراً كبيراً من التمييز والعنصرية، إلا أن النقاش والحوار المباشر بينهما قد يمكّن المتسامح -بطريقةٍ ما- في النقاش أن يُفهم ذاك الشخص بعواقب هذا النمط من التفكير وانعكاساته، ولعل وعسى أن يتأّثر ولو بقدرٍ قليل، حتى إن لم يكن هذا التأثير ظاهراً على شكل إجابة مباشرة، إلا أن التأثير والتأثّر قد يُبان عن طريق ملامح الوجه وتعبيراته، هذا الأمر يعكس مؤشر مفاده أن المتعصّب قد تلقّى فكرة جديدة، وبالرغم من عدم إقراره بمشكلة تفكيره بشكلٍ صريح، إلا أنه  الفكرة لا تزال عالقة في ذهنه، و من يعلم قد تتغيّر آرائه ويبدأ بالقراءة أكثر فأكثر فيتنوّر ذهنه و يتنقىّ من رواسب التعصّب و تبعاته.

 من هذا المنطلق تأتي أهمية الاحتكاك مع من تختلف، فيتبين أن في الاحتكاك مع الخصم الفكري مزايا:
 أولّها أن التجربة تكون مباشرة و لا تكون عن طريق القراءة أو النقل، وبهذا تكون واضحة وأكثر دقّة وعُمق.
 ثانيها أن الاحتكاك يجعل الشخص يفهم كيف آلية تفكير الآخر ومنطلقاته.
وثالها أن في حال الاحتكاك مع الخصوم المتعصبّون قد يسهم المتسامح بغرس بذرة التفكير المنطقي في عقولهم، أملاً أن يكون لهذا الحوار والاحتكاك نتيجة مآلها مزيد من التسامح.

Sunday, July 14, 2013

الحالة في مصر: أزمة مفاهيم علمية


حدث ما حدث في مصر، من عزلٍ للمؤسسة العسكرية للسطة بعد امهال الرئيس الاخواني د محمد مرسي فترة وجيزة، وعلى قدر فوضى مصر السياسية الآن و ضبابية مستقبل المشهد السياسي، جرت في الفترة الاخيرة نقاشات من اطرافٍ متعددة، جاء المؤشر الابرز فيها هو الخلط في المفاهيم، اذ من الممكن تقسيم ابرز الآراء والتوجهات لثلاثة فئات رئيسية:

 ١- فئة تبرر ما حدث وتصنّف عزل مرسي من العسكر على انه انحيازاً للشعب.
 ٢- فئة ترى ان ما حدث يُعد انقلاباً وهم مع عودة شرعية الرئيس وبقاؤه.
 ٣-فئة لا تؤيد مرسي بالضرورة وتنادي باجراء انتخابات مبكرة وترى الحالة في مصر محتقنة وضد الانقلاب.

 شخصياً اصتّف نفسي مع الفئة الثالثة، هذا المقال جاء ليطرح تساؤلات علمية للفئة الاولى التي اعتقد انها أكثر فئة بين الفئات الثلاث فقداناً للبُعد العلمي في شرح آرائها وتحليلاتها وتبريراتها، سأغير رأيي بالكامل في حال اجابة اي شخص يصنّف نفسه من الفئة الاولى بعد اجابته على هذه التساؤلات.

 1- تحديد تعريف منهجي للثورة الشعبية وربطه بموضوعية واسقاطه على حالة عزل د مرسي والحراك الاخير ضده.

 2- شرح ادبيات الانقلاب وتحديد ماهيته مروراً بكل انواعه، وتصنيف الحالة في مصر.

3- شرح ماهّية مقولة "الانحياز للشعب" بشكلٍ علمي رصين محكّم، مع وضع مؤشرات و أمثلة تاريخية قديمة أو حديثة.

4- إثبات نزاهة المؤسسة العسكرية في مصر بعد عهد الرئيس السابق حسني مبارك و شفافيتها.

5- شرح ما يتعلق في الدولة العميقة و ماذا عن دور (فلول) العهد السابق وأثرهم على المشهد الحالي، مدى مشاركتهم أم انعزالهم للعمل السياسي.

 - الهدف العلمي مما ذُكر أمران: اثبات علمي ان ما حدث ثورة فعلية، اثبات علمي ان ما حدث لا يُعد انقلاباً عسكرياً.

 الاجابة على التساؤلات انفة الذكر مشروطه بالاحتكام لمصادر علمية. كالكتب المعتبرة في العلوم السياسية، الانثروبولوجيا، علم الاجتماع السياسي، والابحاث العلمية، التاريخ، شروحات فلسفية، مقالات بدوريات اكاديمية، استشهادات و اقتباسات من اكاديميين معتبرين في مجالات تخصصهم.

-انتهى-

Thursday, July 11, 2013

الاستبداد بين العلم والعلماء والعوام: في إطار كتاب عبدالرحمن الكواكبي

يقول الكواكبي في معرض حديثه عن علاقة العلماء، بالاستبداد بكتابه الشهير "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد"، يقول ".. أن المستبد يخاف من هؤلاء العلماء العاملين الراشدين المرشدين، لا من العلماء المنافقين أو الذين حفر رؤوسهم محفوظات كثيرة كأنها مكتباب مقفلة!" ويضيف "كما يبغض المستبد العلم سلطاناً أقوى من كل سلطان، فلابد للمستبد أن يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على عين من هو أرقى منه علماً، ولذلك لا يحب المستبد أن يرى وجه عالم عاقل يفوق عليه فكراً، فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار الغبي المتصاغر المتملق. وعلى هذه القاعده بنى ابن خلدون قوله <فاز المتملقّون> وهذه طبيعة كل المتكبرين بل في غالب الناس (..) وينتج مما تقدم أن بين الاستبداد والعلم حرباً دائمه وطراداً مستمراً:يسعى العلماء في تنوير العقول ويجتهد المستبد في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام" ويعّرف هنا الكواكبي العوام إذ يصفهم "هم أولئك الذين إذا جهلوا خافو، وإذا خافوا استسلموا، كما أنهم هم الذين متى علموا قالوا ومتى قالوا فعلوا" و يستطرد حول العوام بأنهم "العوام هم قوّة والمستبد وقوته، بهم عليهم يصول ويطول; يأسرهم، فيتهللون لشوكته: ويغصب أموالهم، فيحمدونه على إبقائه حياتهم:ويهينهم فيثنون على رفعته:ويغري بعضهم على بعض، فيفتخرون بسياسته، وإذا أسرف في أموالهم، يقولون كريماً:واذا قتل منهم ولم يمثّل، يعتبرونه ريحماً، ويسوقهم إلى خطر الموت فيطيعون حذر التوبيخ:وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بغاء"

يتبيّن لنا مما تقّدم، أن الكواكبي يرى بأهمية العلم كأداة ووسيلة لتنوير العقول لمحاربة الاستبداد من جانب، ومن جانب آخر هناك من المتعلمين المتنورين من يشرعن الاستبداد وهذا فيه بالغ الإساء للعلم وللشخص ذاته، و من هؤلاء يستمد المستبد قوّته، إذ لقبّهم ب"العلماء المنافقين" وحتماً هم كذلك، لا يمكن لأي شخص متعلم أن يكون شخصاً عاقلاً فيشرعن الاستبداد ويبرره، إلا في حالة أنه من الوضع مستفيد، أو أنه يخشى على نفسه من ظُلم قد يصلى، وفي الحالتين هو يسيء لنفسه ولما تلقّاه من علمٍ و حكمة، إن عمر الاستبداد يطول طالما استمر العلماء بالنفاق، وإن أمد الاستبداد ليبقى طالما كانوا هناك عواماً يبررون الاستبداد ويرضونه على أنفسهم بل يبررون القمع تحت ذرائع عدّة، وهؤلاء يقع عليهم اللوم ولا يقع; فلا شك أن من يرتضي الاستبداد ويقبَل لا معنى للحرية في ذهنه، ومن جانب آخر لا يقع اللوم إذ أن قدوته المستبد في قمة الهرم، يحيطه الجلاوزه والمتمصلحون، و يحموه من ثقافة ال"لا" أفّاكي العلم من المنافقين.

إنه لأسوأ أنواع الاستبداد ذاك الذي يستمد مشروعيته من نصوص دينية وروايات لا نعلم صدقيتها من عدمها، و بكل موضوعية أقولها وتجرّد، أننا في تراثنا نعاني من تناقضات جمّة، فهذا من يشرعن الاستبداد وذاك من يرفضه، بإسم الدين والتاريخ، يختلفان إلا أنهم بمنهجية واحدة; البحث في التراث إما عن ما يشرعن الاستبداد تحت ذريعة الطاعة السياسية للإمام\السُلطان، وهو اصطلاح مذكور في الفكر السياسي الإسلامي، أو من يرفضه أو يشرط رفضه وفق ضوابط معينة، أيضاً في إطار الفكر الديني، عموماً، أقولها وبكل صراحة، نحن لا نحتاج ولا يُفترض أن نكون محتاجون لاستخدام نصوصاً تراثية مقدّسة حتى نرفض الاستبداد، ماذا لو كان تراثنا خالياً من نصوصٍ ترفض الاستبداد؟ هل من الممكن، من الناحية المنطقية القبول به؟ حتماً لا، لذلك رفض لا يحتاج أن يُدعّم ويُسند بأي نص أو مثال.

Wednesday, July 10, 2013

تدوين الدستور الإسلامي; رؤية المفكر أبو الأعلى المودودي تلخيص ونقد

هذا تلخيص لكتاب المفكر الإسلامي أبو الأعلى المودودي "تدوين الدستور الإسلامي " ، مفكر إٍسلامي ساهم في إثراء بحر الفكر السياسي الإسلامي ، لهذا المفكر مؤلفات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر : مبادئ الإسلام ونظرين الإسلام الخلقية وتدوين الدستور الإسلامي والحكومة الإسلامية والأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية والحجاب وموجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه، وغيرها الكثير.

هناك ثمة أفكار محورية ، على ضوئها كتب أبو الأعلى المودودي فكره، وصاغها من أجل أن يكوّن فكره السياسي بشكل متكامل ذو طابع إسلامي قح ، يبدأ في الشريعة الإسلامية وينتهي إليها ، لأبو الأعلى عدة أفكار سياسية رئيسة تندرج تحتها أفكار فرعية ، وفيما يلي أفكار أبو الأعلى المودودي الرئيسة فيما يتعلق بفكره السياسي الإسلامي:

1- النظرية السياسية الإسلامية 

2- مبادئ الحكم في الإسلام : وتتضمن * هدف الحكومة الإسلامية ، مزاج الحكومة الإسلامية ، نظام الشورى الإسلامي ، في العدل والإحسان ، مبادئ انتخاب القيادات ، مبادئ الحرب والسلام.

فيما يلي ، تفصيل وشرح لفكرة محورية طرحها أبو الأعلى المودودي وهي :

أولاً: النظرية السياسية الإسلامية : ( وتندرج تحتها عدة أفكار فرعية وهي :* وضعية الدولة الإسلامية ، *غاية الدولة الإسلامية ، *الدولة الفكرية ، *نظرية الخلافة ، *الديمقراطية الإسلامية ، *التوافق بين الفردية والاجتماعية ، *الدولة الإسلامية ويتألف عنها )

-يؤكد أبو الأعلى المودودي في النظرية السياسية الإسلامية على أن جوهر النظام السياسي الإسلامي وما يميزه هو وجود مبدأ يسمى بـ " الحاكمية الإلهية " , وهذا المبدأ يعني بأن لا يحق لأي بشر كان بأن يشرع قوانين وضعية سارية على سائر المسلمون ويطيعونه ويسلمون أمرهم له ، ولا يحق حتى للأنبياء والرسل في أن يشرعوا فيما لم يأمر به الله عز وجل ، إذ أن الواجب المناط على المسلمون هو طاعة الله عز وجل فيما يأمر فقط، أي طاعة المخلوق للخالق ، لا طاعة المخلوق لنظيره المخلوق ،  وتكون طاعة الخالق عن طريق الرسل والأنبياء بما أمرهم عز وجل ، وذلك عن طريق الوحي الإلهي ، ويستند أبو الأعلى المودودي على عدة دلائل قرآنية تؤكد على حجية أفكاره منها قوله تعالى في كتابه الكريم " (إن الحكم إلا لله ألا تعبدوا إلا إياه وذلك الدين القيم) " في سورة يوسف الأية 40. 

وعلى ضوء ما ذُكر آنفاً، بالإمكان تحليل وفهم نظام الدولة الإسلامية ، منها أن تكون الدولة قائمة على مبدأ الحاكمية الإلهية فقط، وأن الدولة الإسلامية تأتي بقوانين إلهية عن طريق الوحي الإلهي للرسول وهي دائمة وليست لزمان ومكان معين بل هي لكل زمان ومكان لأنها تشريعات إلهية لابد من طاعتها طاعة مطلقة ، وأخيراً مصدر التشريع في الدولة الإسلامية التي شرحها أبو الأعلى المودودي هو الله سبحانه وتعالى فقط.

*وضعية الدولة الإسلامية :

-يرى أبو الأعلى المودودي بأن الخصائص التي ترتكز عليها الدولة الإسلامية هي ليست خصائص ديمقراطية قطعاً ولا يمكن وصفها بهذا المسمى ، على اعتبار أن الديمقراطية هي بالنهاية "حكم الشعب من الشعب وللشعب " وبالتالي العقل والقانون الوضعي الناتج للتفكير العقلاني في الديمقراطية بمعناها التقليدي ، يتناقض مع وبصراحة بمبدأ الحاكمية الإلهية الذي يستند على تشريعات إلهية منصوص عليها ولابد من تطبيقها دون غيرها ، ويرى بأن من الأصح الإطلاق على النظام السياسي الاسلامي ب"الثيوقراطية الإسلامية" وهي تختلف مع "الثيوقراطية الأوروبية" إذ أن الثانية تخول سلطاتها بيد من هم يدّعون لحقهم الإلهي في الحكم وهو باطل وهم بذلك الدور يخادعون الشعب ، على عكس الأولى "الثيوقراطية الإسلامية" التي تُعطى لكافة المسلمون إدارة شؤونهم من خلال ماهو منصوص عليه صراحة في الكتاب والسنة النبوية ، وإذا برزت الحاجة لإجتهاد لتفسير نص ديني لا يتم تخويل إلا من بيدهم الاختصاص وهم الأعلم في شؤون التفسير ، أي توكيل العمل لأصحابه، وأن لابد على الدولة الإسلامية أن تتبع المبادئ الإلهية وما ورد من الأحكام الإلهية القطعية في كتابه عز وجل،  لأنها تحمي سلوك الإنسان الفطري من الإنحراف، بدلاً من أن يتم الاعتماد على التشريع العقلي-الإنساني الذي لا يخلو من القصور والنقص ، في مقابل الكمال عن طريق طاعة الله سبحانه وتعالى في أحكامه.

*غاية الدولة الإسلامية :

-إن الله سبحانه وتعالى أرسل الأنبياء والرسل وكونهم كذلك فإن يمكن اعتبارهم "قوة سياسية " ، هدف تلك القوة السياسية واحد و هو هدف سامي ورفيع ، وهو تطبيق العدالة الاجتماعية بين سائر الخلق عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن كافة المنكرات التي قد يقوم بها بنو البشر، إن النظام السياسي الإسلامي الذي يدعو لتطبيق العدالة الاجتماعية هو نظام حضاري مميز يدخل في كافة شؤون حياة الإنسان ، و مع أشبهيته بنظام الحكومة الفاشية أو الشيوعية إلا أن المفارقة تكمن بأن النظام الإسلامي له حدود واضحة في تبيان الحق والباطل ، و ليست له أي مقاصد في تقييد الحريات الإنسانية مالم تتعدى حدود الله في كتابه وسنة نبيه.

* الدولة الفكرية :

-وكما أن للدولة الإسلامية دستور إلهي وهو كتابه جل شأنه وعلى ، فإن ما لأحد الحق في تولي الدولة إلا وأن يكون مؤمن إيمان كامل وتام وشامل في ذلك الدستور الإلهي وفي أحكامه وفي ما يورد من أحكام وعبر ، لمن سبق و من قرأ ومن سيأتيه الخبر ،  وفي داخل الدولة الإسلامية يحُظر التفريق بين كافة المسلمون وغيرهم من البشر ، بنسل أو بِلون أو بأصل عليه الإنسان قد ظهر ، إلا أن تحديداً لا يحق لأهل الذمة في تولي شؤون الدولة الإسلامية ، وقد فّصل الدين الإسلامي في شأنهم ما يجب القيام تجاههم بكل سلم وتحاب ، على كل ،  بشكل أوضح، إن الدولة الفكرية يجب أن تكون مرجعيتها (الدستور الإلهي) مغروسة غرساً تاماً في فكر من يتولوا شؤونها ، عن طريق تدبر أحكامها، وإذا ما تحقق ذلك، فإن الهدف الأسمى لهم تطبيق ما أراده الله سبحانه، ولن تكون للمصلحة الشخصية الأنانية مساحة ومكان في هذه الحالة.

* نظرية الخلافة :

-لا مناص من التسليم في النظام السياسي الإسلامي لابو الأعلى المودودي ، بأن الحاكم الحقيقي هو الله جل شأنه وعلى ، ولكنه أيضاً جل شأنه وعلى قد ذكر في كتابه الحكيم وأعطى الحق للصالحين في خلافته في الأرض وهم ينوبون عنه ، وتلك الخلافة هي لكافة المسلمون لا تُعطى بشكل مخصوص لأسرة أو لعرق معين، بل هي من الله سبحانه إلى المؤمنون كافة.

*الديمقراطية الإسلامية :

-ما ذُكر آنفاً تحت عنوان "نظرية الخلافة" في أن المؤمنين كافة لهم حق الخلافة ، هو ما يمكن وصفه على أنه من الديمقراطة الإسلامية ، و متى ما تم تطبيق الديمقراطة الإسلامية من غير نقصان فلا للمفاسد مكان بين صفوف المسلمين ، لأن الخلافة تتسم بالعمومية لسائر المسلمين , ومن شروطها الإيمان وعمل الصالحات ، و على ضوء ذلك الأمر "مبدأ عمومية خلافة المؤمنين" فإن كل صاحب حق سيأخذ حقه ، و لا لأحد الحق في أن يعلو ويسمو على غيره ، أي لا طائفة ولا نسل ولا جماعة ولا أسرة تأخذ حق غيرها ، لأن الجميع سواسية ، و ليس بإمكان الخليفة بأن ينتزع حق الخلافة عن غيره وينصب نفسه ولي على شؤون المسلمون لأن بذلك إكراه وغصب ، وهذا عكس الخلافة تماماً ، وللذكر والأنثى حق ورأي في مصير الدولة.

*التوافق بين الفردية والاجتماعية :

-وهذا ما يميز النظام الإسلامي ، أي التوافق بين الفرد وبين الجماعة ، فلا للفرد حقه الأناني على الجماعة ، ولا للجماعة حق في سلب حقوق فرد من أفرادها ، وهم متوافقان يتكاملان بين و مع بعضيهما البعض ، لا يتم تهميش أهمية الفرد كإنسان كما الحال في وضع الحكومات الشيوعية ، ولا يتم تبجيل الفرد فوق الجماعة أحياناً في وضعية الديمقراطية الغربية، فللفرد في النظام الإسلامي حقوق عليه واجبات ، وهو للجماعة والجماعة هي منه، وغاية الفرد هي غاية الجماعة في النهاية وهي تنفيذ القانون الإلهي.

*الدولة الإسلامية وما يتألف عنها:

-للخليفة دور هام في الدولة الإسلامية ، إلا أنه في نهاية الأمر لا يعلو على المسلمين ولا يسمو عليهم ، لأنه بالنهاية من اختيارهم على اعتبار انه من أتقاهم ، والخلافة هي عمومية ولكنها تمحورت فيه من باب ثقة المسلمون فيه ، و هناك ثمة تفصيل فيما يتعلق للخليفة في النظام الإسلامي ، وهو كالآتي:
1- التقوى هو المصدر الرئيسي لإختيار الخليفة وتنبني عليها ثقة المسلمين، وعلى المسلمون الطاعة للأوامر والنواهي ، لأنها بالنهاية تنفيذ لأحكام إلهية واجبة التبيان والطاعة والتنفيذ.

2-لا أفضلية على الخلافة على سائر المسلمين ، لأنه شخص منهم ، قد يجانبه الصواب أحياناً وللأمة حق في عزله ومحاكمته.

3-وجوب وجود مجلس شورى للمسلمين ، ولا إشكالية من مبدأ التصويت الانتخابي.

4-على اعتبار ان الشائع في المجالس أن الاحتكام في التشريع يكون للأغلبية، إلا أن نظام الشورى الإسلامي في رأي أبو الأعلى يتميز على أن قد يكون رأي الأقلية هو الأصوب وقد يحتكم عليه ولي الأمر -ولـــكن- بصورة حيادية بدون اللجوء للأهواء الشخصية وإلا فإن للأمة حق لهم في عزله من منصبه.

5- منع لانتخاب لمجلس الشورى أو للإمارة، لما في ذلك من دعايات  وكذب المرشحين فيها على المؤمنين ، وهي من نتاج الديمقراطية الشيطانية التي لا شأن لنا فيها.

6- حظر الانقسام الحزبي في مجلس الشورى، فالآراء فردية لأن الإسلام يحرم التحزب ، والحق حق في أن يتبع وهو لا يرتبط بحزب دون غيره ، من هنا يأتي الحظر.

7- التفريق والفصل بين منصب القضاء والخلافة ، فالخليفة ممكن أن يحتكم للقاضي في حالات، كما أن للفقير والفلاح وغيرهم الحق في ذلك.

-

ثانياً: مبادئ الحكم والدولة في الإسلام  ،هدف الحكومة الإسلامية :

-إن هدف الحكومة الإسلامية هو ما ورد في دستورها ، أي القرآن الكريم عن طريق تطبيق القانون الإلهي في الدولة الإسلامية في إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرات ونشر الخير ، وأصحاب السلطة في الدولة الإسلامية واجبة عليهم تلك الدعوة أيضاً، فلابد من تطبيق العدالة و الاحتكام الدائم للقانون الإلهي لما في ذلك من خير وأجر في الدنيا ، ووعد عظيم في الآخرة ، والله سبحانه وتعالى فضّل الأمة الاسلامية دون غيرها في الإمامة بعد ما كانت لبني إسرائيل لأنهم انحرفوا عن الحق، واصبحت القبلة في مكة بدلاً من القدس، وما على المؤمنين إلا الدعوة، وإقامة العدل، والجهاد لإزالة كل العوائق التي تقف فيما أمر الله سبحانه وتعالى.

*مزاج الحكومة الإسلامية:

-للحكومة الإسلامية دوران محوريان ، الدور الأول هو أن تقوم بدورها على أن تبلغ بالدعوة الإسلامية الصحيحة، وتوضح الطريق إلى النور، من دون أن تفرض سيطرتها بالقوة وقسراً على غير المسلمين , ولغير المسلمين الحق في اختيار "الحق والباطل" لأن الله عز وجل لو شاء لجعل كل ضال مسلم وهداه إلى الحق المبين، والدور الآخر وهو دور "الداعية" لإقامة القانون الإلهي ، ومبادئ الدين الإسلامي في أرض الواقع ، ودعى الإسلام المسلمين لإرشاد غيرهم والعمل على نصحهم من أجل الدخول للإسلام ذلك الدين السمح المسالم الذي يقوم على المساواة، وحتى في الدولة الإسلامية لا يجري التفريق بين المسلمين وبين أهل الذمة في النواحي القانونية والواجبات، ولكن المفارقة تكمن في أن لا حق لأهل الذمة في المشاركة السياسية فقط وسائرها هو جائز، والحكومة الإسلامية هي بالنهاية تتسم باللين والرحمة إلى جانب القوة ، مع التسليم بأن لا تأخذ بمبدأ الإكراه لنظامها.

*الشورى :

-الشورى واجبة التنفيذ وذلك لأنها مذكوره في القرآن الكريم ، وهي من مقومات النظام الإسلامي ، وهي واجبة لأن التفرد في القرار على الآخرين دون "مشاورتهم" هو عمل ظالم، ولا يمكن في أن يفسر الإنسان الأمور وفق ما يراه هو وحده دون أن يعطي أي اعتبار لآراء الآخرين وبهذا يكون تعدى على حرياتهم في الاختيار ، والمؤمن بكل تأكيد ليس هكذا ، فلابد للمسلم في مشاورة المسلمين لما في ذلك من رحمة ومودة وتطبيقاً لما أراد الله سبحانه وتعالى من أجل عمومية الإنصاف والعدل، والشورى في الإسلام ليست فقط في القرارات السياسية بل هي تكون تقريباً في كافة الأمور الحياتية الاجتماعية للمسلم، كالشورى بينه وبين زوجته، وعائلته، وقبيلته وغيرهم،  وهي اسلوب حياة في الإسلام.

وقول الخالق عز وجل في كتابه " (وأمرهم شورى بينهم ) " (س، الشورى آية 28) هي قاعدة لخمس متطلبات من الواجب توافرها لكي تتحقق :
1- الحرية هي مبدأ أساسي يجب أن يتسم فيه المسلمون، بمعنى أن لايكون هناك إكراه في رأي أو إجبار قسري لاتخاذ موقف معين ، مما في ذلك في إعلاء شأن كلمة الحق، فالناس أحرار فيما يقولون، ولهم الحق في عزل ولي الأمر إذا ما ولى أمره بغير ما أمر الخالق جل شأنه وعلى.

2- وكما أن الحرية مبدأ للمسلمون ، كذلك الحال لمبدأ "الرضا" أو القبول من كافة المسلمين كأساس لشرعية القائد، فالرضا مرتبط بالحرية، فلا حرية بدون رضا، ولا رضا بدون حرية، لإن إذا ما انشقت الحرية عن سياق الرضا، فإنها ستدخل في الإجبار، وهنا تتعارض مع مضمون الحرية ، رضا المسلمون على الحاكم أو ولي الأمر هو أساس الشرعية وقبولهم به لتصريف أمور المجتمع، ولايمكن استخدام اسلوب الشرعنة بصورة قسرية على المسلمون.

3- يتم اختيار من يتشاور مع القائد عن طريق ثقة الشعب لا التزوير والرشاوي.

4- لابد من اتباع ممثلون المسلمين لضمائرهم، وألا يأخذهم الطمع أو الخوف من جماعة ما ومراعاة مصلحتها لما في ذلك من غدر وخيانة وانحراف عن واجبهم الاساسي.

5- وجوب التسليم بإجماع آراء أهل الشورى من قبل ولي الأمر بعد أن يستمع لهم جميعاً.

ولابد من التنويه بأن الشورى في الإسلام ليست مطلقة بل هي تتعلق في إصلاح أمور المسلمين إذا ما برزت الحاجة لتفسير نص ديني يبنى عليه تشريع.

*العدل والإحسان :

-يأمر الله عز وجل في كتابه بالعدل ، أي العدل بين الناس ، وأيضاً يأمر في المساواة ولا مفاضلة بين المسلمون ، والعدل في تركيبته هو أن يتم تحقيق التوازن بين الناس، وأن يتم إعطاء كل ذي حق حقه ، ويأمر الله تعالى بالإحسان والمقصود بالإحسان هو السلوك الكريم القويم وُحسن المعاملة ودماثة الخلق ، بالإضافة إلى التواصل وصلة الأرحام وهي مرتبطة في الإحسان،  وكما أن لله عز وجل أخلاقيات يدعونا إلى اتباعها، فهناك ما نهى عنه وهي الفحشاء أي كافة الامور المخجلة ، كالعري واللواط وغيرها ، والمنكر وهو كل سيء ، والبغي بمعنى التعدي على حقوق الغير .

*مبادئ انتخاب القيادات :

-هناك ثمة مبادئ إسلامية تميز الحكومة الإسلامية عن غيرها في انتخاب القيادات وهي الأمانة والدين والتقوى والسلوك وحسن الخلق والكفاءة، وواجب على عاتق المسلمين يجتنبوا الوقوع فريسة للآثام، كما كان الحال مع بنو إسرائيل، ولابد على الأمة الإسلامية أن لا تطيع من يتبع أهوائه، ومن يسرف ويفسد في الأرض ويعبث بها.

*مبادئ الحرب والسلام :

-إن الدولة الإسلامية مكان وبقعة جغرافية لرقي الإنسان ورفعة شأنه تحت راية لا اله إلا الله ، وتطبيقاً لقانونه الإلهي ، وبما أن النظام الإسلامي دين يدخل في كافة فروع الدولة، ويحث على التكامل الاجتماعي بين المسلمين، فهناك أهمية كبيرة تقع على عاتق الجانب الأمني أو العسكري ، فمن الواجب على الدولة الإسلامية أن تكون لها قوة عسكرية  لدخول الحرب ضد من يريد تدمير ما أراده الله في أرضه ، لأن الرغبة في تدمير دار المسلمين هي حرب ضد الله ورسوله.

ووضع الإسلام ما يسمى بالجزية، وهو ما يدفعه أهل الذمة للدولة الإسلامية نظير حصولهم على الأمن والحماية من الدولة ، وهي بمثابة عملية "تصغير" لهم ، أو لإحساسهم بالقبول والطاعة للدولة الإسلامية، ومبلغ الجزية هو كحصيلة للحرية لأهل الذمة التي يحضون بها في الدولة الإسلامية، وهي ليست للتفريق أو للظلم، إنما هي لإشعار أهل الذمة بفكرة مفادها كالآتي : " بأنكم يا أهل الذمة تدفعونها كل عام من أجل بقائكم ، والزكاة يدفعها المسلمون للفقراء ، أترون الفرق إذاً ؟! فما أنتم بفاعلين ؟ "

- نهاية الملخّص-

أما النقد لما ورد أعلاه من أفكار تتبين في التالي:


1- في نقد مبدأ الحاكمية الإلهية الذي تصوره المودودي : 

دعا المودودي لتطبيق مبدأ الحاكمية الإلهية ، ووصف الديمقراطية الغربية بأنها "شيطانية" ، ولم يوضّح ماهية الديمقراطية الشيطانية، وماهي مسببات "شيطانيتها" كما أورده؟ وهذا يُعد ضعفاً ويقلل من حجّية الإقناع ، أما الديمقراطية الغربية إطار عملها السياسي داخل البرلمان ليست إلا صراع-فكري-سلمي نحو الوصول لقرارات أفضل، وهي نتاج لإستخدام العقل، بالنهاية الديمقراطية هي من نتاج الفكر الإنساني وكونها كذلك فإنها ليست بالضرورة نظام مثالي ومتكامل ، بل هي ظهرت كنتاج لرقي الفكر الإنساني الحضاري المتمدن في الرقابة والتشريع والمشاركة الشعبية في الحكم.

2- في نقد مصطلح الدولة الفكرية :

بكل بساطة، ما ذكره المفكر الكبير أبو الأعلى المودودي في شأن مدى "إيمــــان" المسلمين بالدستور والقانون الإلهي وبالتالي تطبيقه في الدولة أرى بأنه كلام مثالي بعيد عن الواقع، يسمى بUtopia Of a Religious State ، والفكرة بعيدة عن ممارسات المسلمين اليوم ، بعيدة عن النظم السياسية القائمة ، بعيدة حتى عن الدولة العثمانية التي سقطت والتي شهدها قبل وفاته رحمه الله سقوطها، فإن أردت المطاع: فاطلب المستطاع، الدولة اليوم تغير مفهومها، برزت المواطنة والقومية والشعوب بدل من أن تفرقها الأديان أصبحت الدول تجمعها وتساوي بينها في كل شيء، أصبح الانصهار في بوتقة الوطن هو الهدف الأسمى لكل دولة ، بدلاً من التركيز على الجوانب الدينية أو الروحانية، الدولة بالنسبة لي أراها كما فسرها ابن خلدون، نتاج للعصبية، والعصبية لاتكون بالضرورة دينية، وإقامتها طبيعية وضرورة.

3- في نقد رفض أبو الأعلى للعمل الحزبي :

الأحزاب في الدول المتقدمة لا النامية هي من الناحية العملية صراعات فكرية سلمية مع وضع برنامج انتخابي يعمل على اساسه الحزب بعد وصوله للسلطة ، وفي مقابله المعارضه، تحاول التصيد في أخطاء الحزب الحاكم ، وهو تنافس صحي من أجل تحقيق الأفضل لا الأسوء، أين الإشكالية ؟ صحيح بأن الحق حق أين مكان ووجب ان يُتّبع، ولكن العمل الحزبي ليس خطيئة، وهو متطلب مكمل لأي نظام ديمقراطي.

4- في نقد "الثيوقراطية الإسلامية " :

أرى بأن الثيوقراطية هي واحدة لا تتجزأ، لا يُعاب بالضرورة إلى الديــــن الإسلامي ، بالتأكيد لا ، هناك فارق كبير بين الدين وبين من يتكلم بإسم الدين من أمراء\سلاطين\ولاة أمر لهم مصالح يحققونها تحت ستار الدين ، فالحل أراه بالديمقراطية والصراع الفكري السلمي العقلي نحو القرار الأفضل ، بدلاً من التيهان في متاهات الثيوقراطية، وتنصيب شخص يدعي بأنه يطبق الأحكام الإلهية، ماهي أصلاً المعايير الصحيحة للحكم على أن هذا أو ذاك يطبق القانون الالهي تطبيقاً كاملا وصحيحاً ؟! وإن كانت الأمة التي تحكم، ماهي المعايير التي على أساسها نصنف أن هذه الأمة وصلت من العلم (!!) لتقييم السلطان في تطبيق القانون الالهي ؟ التاريخ مدرسة تملؤها الدروس والعبر والتاريخ يذكرنا ويقول ، إن الثيوقراطية أصبحت اليوم مقترنة بالاستبداد.

5- في نقد الجزية في النظام الإسلامي الذي أورده المودودي :

الجزية وقتذاك قد تكون مناسبة، أو قد يتم تبريرها تحت أي ذريعة ما و قد يتم قبولها بأدنى درجات القبول، إلا أنني لا أرى من حيث المنطق جعلها نظام دائم ومطلق في كل زمان ومكان ، الجزية وفقاً لمعايير حقوق الإنسان اليوم هي تفرقة و عنصرية، بل أن لا يمكن أن تزيد دولة من قوتها وهي تفرق بين مواطنيها على أساس الدين ، فإلى جانب القوة العسكرية وغيرها ، تكمن القوة الاجتماعية في تعايشها من خلال تطبيق القانون والعدالة والمساواة على جميع، لا على التمييز على اساس ديني وهذا من شأنه أن يجلب حالة من اللااستقرار والفوضى الداخلية.

6- في نقد رؤية المودودي لنظام الحكم الإسلامي كمجمل:

بشكلٍ عام، جاءت رؤية المفكر أبو الأعلى المودودي عامّة و تتسم بالضبابية وعدم الوضوح، غير موضوعية تماماً، تضمنّت أفكاراً لم تعد قابلة للتنفيذ في هذا الزمن وإذا ما نُفذت فهي مداخل لمشكلات متباينة، علاوة على استخدامه لمصطلحات غير متفق عليها من حيث التعريفات كقوله لشروط الخلافة هي "الإيمان وعمل الصالحات" وبذلك جاءت كتابات المودودي كما أراها هي أقرب للتمنيات من كونها مجارية للواقع وتغيراته، وبما أنها كذلك فإن قيمتها من الناحية العملية ضعيفة، أما من الناحية الفكرية والعلمية فلا شك أنها تُعد إثراءاً لحقل الفكر السياسي في العلوم السياسية.

Tuesday, July 9, 2013

ماذا يعني أن تكون موضوعياً؟

ماذا يعني أن تكون موضوعياً؟ وأين تكمن أهميتها؟ 

إن الموضوعية تعتبر منهجاً فردياً يأخذ به الفرد في تقييمه للأحداث، أو لحدثٍ ما بغرض ابداء رأي اتجاهه أو اتخاذ موقف، بمعنى آخر، إن الموضوعية هي تجرد شخصي للقيٍم والعواطف بغرض إنصاف الأشياء، أو تسمية الأمور بمسمياتها بعبارة أخرى، من جانب آخر، إن الموضوعية أداة محورية لأي باحث في التخصصات الأدبية، بل ولا يمكن اعتبار أي بحث، بحثاً علمياً إلا قبل أن يكون الباحث قد انتهج الموضوعية، وإن أي نوع من أنواع الخلط في الموضوعات بشكل غير منهجي، أو وجود أي مواقف مسبقة للباحث عقائدية أو عاطفية أو عرقية أو غيرها من الممكن أن تجرح موضوعية الباحث، فإنها تلقائياً تجرح من موضوعيته، فيكون بحثه بلا قيمة، إن جرح موضوعية البحث هو الأمر الذي يجعل من قيمة التأكد من صحة الفرض العلمي المعمول به (النتيجة البحثية) في البحث محل شك بل بنتائج أبعد ما تكون عن الصدقية، أو عن ما ينبغي عليه أن تكون من الناحية الأكاديمية، أما قيمة الموضوعية و أهميتها، فهي تعكس صدقية النتائج البحثية، باعتبارها انعكاساً للإنصاف والحياد العلمي، إن الحياد العلمي والموضوعية، باعتبارهما مكملان لبعضهما البعض، يسهمان بإعطاء صورة أقرب للحقيقة في حال اختبار الفرض العلمي قيد الاختبار في أي بحث علمي، إن آلية process الموضوعية تقوم على إنصاف القضايا أو الأفكار المثارة في البحث العلمي، حتى لا تطغى فكرة على أخرى، فالبحث العلمي بلا موضوعية لا يمكن اعتباره بحثاً علمياً باعتبار أن غيابها يعني وجود نتائج مسبقة في عقلية الباحث يريد فرضها قسراً على بحثه، وبهذا يفقد البحث قيمته وجوهره.

إن الموضوعية كقيمة بحثية في ذهنية الباحث أداة تقرّبنا من الحقيقة، على أساس وجود القاعدة العلمية التي تقول في العلوم الإنسانية " لا توجد حقائق علمية مُطلقة " وبهذا فلا مناص من استخدامها كضرورة في البحث العلمي، هذه أهميتها في البحث العلمي، أما بالنسبة لانعكاس الموضوعية على الحياة الاجتماعية والعملية، فلا شك أن لها من الإيجابيات الكثير، أولها وأكثرها هو أنها في حال التمعّن فيها منطقياً، او فلسفياً إلى درجة ما، فهي نقيض التعصب، صحيح، من الناحية المنطقية التعصب ينقضه التسامح، إلا أن التسامح نتاج للعاطفة، أما الموضوعية فهي نتاج للعقل، وبكونها كذلك، فإنها إذاً لا يمكن أن تكون إذاً وسيلة إثارة اجتماعية مثلاً من الممكن استخدامها لإحداث مشكلة ما، كما أنها (الموضوعية) تجعل الإنسان يقّيم الفكرة بالفكرة، لا الاسم بالفكرة، بمعنى آخر، إن الموضوعية نقيضه أيضاً لشخصنة الموضوعات، كما أنها من جانب آخر نقيضه للفجور في الخصومة، تلك أبرز إيجابياتها وغيرها الكثير، ختام قولي هو ان الموضوعية فضلاً عن أهميتها كقيمة شخصية في ذهنية الباحث، فهي لا تقل أهميتها في حياة الإنسان العادي غير المهتم في البحث العلمي، بل أن قيمتها أوقع في الحياة العملية في حياة الإنسان العادي غير الباحث من الباحث العلمي، ذلك أن العوام أقل من الباحثين بكثير، وفي حال انتشارها ستكون وسيلة تخفيف من أي احتقان من الممكن أن يثار في مجتمع واقليم يغلي بالمشكلات العنصرية.

Sunday, July 7, 2013

الظاهر في الخطاب الديني المعاصر: عرضٌ ونقد

يتعرض هذا المقال لشرح الخطاب الديني وطرح اشكالاته المعاصرة.

قبل الخوض في الموضوع، يُلزم بي في البداية أن أوضّح ماهّية الخطاب الديني المعاصر وتفكيك دلالاته حتى أمكّن من الخوض فيه وعرض اشكالاته، إن المقصود في الخطاب الديني المعاصر ـــ وفقاً لما يتوفر من عموم الكتابات وما لاحظت وتابعت ـــ هو أي خطاب يلقى في مكان عام، سواء في وسائل الإعلام أو الأماكن العامة أو دور العبادة من أُناس تعتقد أن كل شيء في حياتها العملية يجب أن يكون خاضعاً للدين، ويتم تقريباً، وفقاً لهذا الخطاب نقد أي شيء يُعتقد أنه مساساً في الدين، ويدخل في إطاره السياسة والاقتصاد والمجتمع والأسرة والزواج والعلاقات الجنسية والأحلام والعلم والرياضة... وغيرها الكثير من الشؤون الحياتية، يكاد أن يكون كل شيء مشمول، أي أنه تباعاً لما ذكرت، أضحى خطاباً شاملاً لكل شيء، هذا من باب التعريف، وبناء على التعريف آنف الذكر، تبدو أولى اشكاليات هذا الخطاب وهي من بديهيات نقده هو تطبيق الفكرة المنطقية التالية " لا يمكن لمن يجيب على كل شيء، أن يعرف شيء " هذه الفكرة المنطقية تجعل من طبيعة الخطاب الديني هشاً من الناحية المعرفية، ذلك أنه كخطاب يسعى لتقديم إجابات على كل شيء وكل تساؤل يُطرح، ومن سوء حظ الخطاب إن جاز التعبير، أو قائلوه ومساندوه، أننا نعيش في عصر العلم والتخصص، لذلك من السهل عملياً التأكد من طبيعة اجابات تلك الخطاب وطروحاته، سيما المتعلقة في الشؤون العلمية التي تتطلب بحثاً متخصصاً في مجالٍ ما، سواء في شؤون التخصصات الأدبية أو العلمية، وحتى أختصر الحديث في عرض اشكالات الخطاب الديني سأعرض اشكالات على شكل نقاط، إذ تتجلى إشكالات الخطاب الديني بالمجمل في الآتي:

1- أنه خطاب فاقد للبُعد العلمي في الشرح والتفسير، المقصود في البُعد العلمي Empirical Methodology اتباع منهجاً امبيريقياً، و هو اتباع سلسلة من الاجراءات والعوامل المنطقية المنظّمة للتأكد من طبيعة التساؤلات التي يطرحها الخطاب، يكاد أن يكون الخطاب على العكس تماماً، هو خطاب يجيب قبل أن يسأل، بل و إجاباته مطلقة و تم التأكد منها قبل طرح السؤال، وأحياناً تكون الإجابة جاهزة فور طرح السؤال بثوان معدودة.

2- أنه خطاب فاقد للموضوعية والحياد، صحيح، من الناحية المنطقية الحياد أمر معدوم، إلا أن هناك حد ادنى من الحياد، وهو غائب تماماً عن الخطاب الديني، أما الموضوعية والمقصود بها فصل القيم والعاطفة للتقييم والتحليل، هي أمر مفقود بشكل كبير، بل أن الخطاب الديني هو خطاباً عاطفياً بالدرجة الأولى، فهو اداة محاكاة للعواطف أكثر من العقول.

3- أنه خطاب نقلي لا عقلي، إذ يستخدم خطباء الخطاب الديني الحجّة النقلية دوماً على العقلية، بل العديد منهم يؤكدون حجيّة استخدام المنقول على المعقول، وفي هذا ينعدم النقاش المنطقي، ذلك أن طرفه يُقِر وبلا مشكلة، ان العقل يأتي بمرتبة ثانية بعد النقل.

4- أنه خطاب متحيز دوماً، وبالرغم من اختلاف الفرق الدينية الاسلامية وتنوعها، إلا أن هذا التنوع لا يعكس بطبيعة الحال تنوع ذهنية الخطاب ونمط تفكيره، إن الخطاب دوماً متحيز في كل شيء تقريباً.

5- أنه خطاب يتعارض مع منظومة العالم الفكرية اليوم Global Paradigm وهي سلسلة من الأفكار الكونية التي نعيش بها اليوم، متضمنة لمفاهيم عدة كحقوق الإنسان بصورتها الحالية وعمل مؤسسات المجتمع المدني والديمقراطية والمواطنة، و أعزو طبيعة هذا التعارض سبباً و نتيجة هو لانحسار هذا الخطاب في زمن معين و اتسامه بمحدودية النطاق، فهو لازال يعيش في زمن سبقنا، وحتماً سيتعارض مضموناً وفكراً مع حاضرنا والمستقبل في حال عدم تجديده.

6- أنه كخطاب يرتكز دوماً على الجانب التلقيني والتخويف والترهيب بدلاً من الترغيب، كافعل هذا ولا تفعل ذاك، و لا مجال في هذا العالم المعاصر، أن تكون مثل هذه الأمور مقبولة من الناحية الإنسانية.

تلك أبرز إشكالات الخطاب الديني المعاصر بشكل مختصر، وبالرغم من هشاشة الخطاب الديني من الناحيتين المعرفية والعلمية، فضلاً عن تحيزه وفقدانه للموضوعية، إلا أنه كخطاب يتسّم بالشعبية الكبيرة في مجتمعاتنا الشرقية، بل يكاد أن يكون هو الخطاب الأبرز والأقوى والأبقى، بل الأكثر انتشاراً وقبولاً، والأنكى من ذلك هو وجود كم لا بأس به من المثقفين والأكاديميين مؤكدين لهذا الخطاب وغير مكترثين بعرض نقده بغرض تصحيحه، إن النقد ليس في النهايةِ عيباً على الشيء بقدر ما هو محاولة للتصحيح والتقويم، إن أمكنت الظروف والمحاولات.  

Saturday, July 6, 2013

السياسة في الإسلام: الشورى والديمقراطية كمدخل



يهدف هذا المقال لإخضاع الشورى* والديمقراطية، تعريفا وآلية للمقارنة، من خلال استخدام ثلاثة منهجيات للإجابة، وهي التعريف والجوهر والآلية.

يطرح البعض مقولة أن الشورى في الإسلام هي نظيرة للنظام الديمقراطي الحديث، وبالرغم من اختلاف تعريفات الديمقراطية من الناحية العلمية كما ورد في الأدبيات، من الناحية المنهجية كي يمكننا من حيث المبدأ أن نفرّق بين الاثنان، الشورى والديمقراطية هو ببساطة استعراض تعريفهما، الديمقراطية ـكما ذكرت ـ بالرغم من غياب تعريف موحّد لها إلا أن من الممكن وصفها بتعريف بسيط وهو أن تكون إدارة الدولة ورقابتها حق لكل مواطن في الدولة الحديثة، أما الشورى فهي غالباً مسنودة تاريخياً لأمرين، نصاً مقدساً و روايات، يتجلى النص القرآني ب"وامرهم شورى بينهم" والروايات هي ما روي عن التاريخ الإسلامي في شأنها، من خلال استعراض التعريفين، هل الشورى هي الديمقراطية في الإسلام؟ من الناحية التاريخية، من غير الممكن منطقياً أن نقول بهذه البساطة أن الديمقراطية هي الشورى في الإسلام، لعدة أسباب محورية، أبرزها هي عدم وجود وجود اتفاق تاريخي شرعي حول مفهوم الشورى في الإسلام، صحيح من الناحية الشرعية ثمة آيات تحث على الشورى، إلا أن الشورى المذكورة في النصوص القرآنية كـ "وامرهم شورى بينهم" لا يمكن وصفها بأي حال من الأحوال بأنها هي الديمقراطية بعينها، أما الروايات التاريخية واستدلالها بأنها شورى بالتالي هي ديمقراطية تباعاً، فهي تعكس لنا من الناحية العملية غياب جوهرية الشورى، من جانب آخر، إن الشورى كمصطلح قرآني اختلف تفسيره من مفسّر وفقيه إلى آخر، وهنا من الممكن أن يسأل البعض، أن هذا حقٌ أصيل، فالاختلاف في تفسير الشورى موجود حتى في تفسير الديمقراطية، وبالرغم من مشروعية هذا التساؤل إلا أنه غير دقيق من الناحية المنهجية، ذلك أن الديمقراطية، وبالرغم من اختلاف آلياتها، هي ذات جوهر واحد وترتكز على التداول السلمي للسلطة علاوة على مشروعية كل إنسان في المشاركة السياسية، أما الشورى شروحاً وتفسيراً لا تلتقي والديمقراطية، لهذه الأسباب:

1- أن غالب المفسرون أوكلوا الشورى لجماعة سمّيت بأهل الحل والعقد، وهذه الجماعة ليست من عامّة الناس بل لها شروط كالعدل والعقل وغيرها من الملزمات، وبهذا تتناقض والديمقراطية التي تعطي حق المشاركة لكل الناس.
2- أن الديمقراطية الحديثة تتيح فرصة المشاركة السياسية لكل مواطن بصرف النظر عن عقيدته في الدولة الحديثة، أما الشورى فهي حصر على المسلم.
3- أن الديمقراطية تشارك فيها المرأة والرجل، أما الشورى فهناك كما قرأت في أدبيات الفكر السياسي الإسلامي، أنها لا تجيز مشاركة المرأة.
4- أن نظام الخلافة في الإسلام، كما جاءت في أدبيات الفكر الإسلامي والروايات هي لمن ينتسب لقريش، أما الديمقراطية فلا تأخذ بجوهرية النسب والقبيلة.
5- أن الديمقراطية تتسق وتتوافق مع المواطنة، بل وأكثر استقراراً بها، أما الدين فلم يعرف المواطنة، وبالرغم من أن هذا بحث آخر إلا أن من الممكن أن نقول أن الشورى بمفهومها التاريخي تتقاطع مع المواطنة.

خلاصة القول، أن مقولة الشورى هي الديمقراطية في الإسلام هي مقولة غير دقيقة من الناحيتين المنهجية والتاريخية، ووفي ختام المقال، من الممكن ان نغّير صيغة السؤال، فنقول أن الشورى من الممكن أن تكون ديمقراطية؟ بالرغم من عدم وجود دواع لمثل هذا الأمر، إلا أن من الممكن، من الناحية الفكرية أن نفسّر النصوص الشرعية المذكورة في الشورى لما يتقارب والديمقراطية وهذا ما يُعرف ب"التجديد" في الفكر الديني، في حين صعوبة القيام بمثل هذا الأمر لعدم وجود مفكرين معتبرين في الفكر السياسي الإسلامي في هذا الوقت، فضلاً عن غياب مفكرون يكترثون لهذه المسألة ـحسب اطلاعي إلى الآن ـ، يعسُر من الناحية العملية أن يكون هذا الأمر ممكناً.



*تنويه، الشورى تفسيراً وآلية في المقال أعلاه تخص غالب الفرق الإسلامية باستثناء الشيعة الإمامية فلا شورى لديهم من الناحية المبدئية، ذلك أن الخلافة\الإمامة محصورة تنصيباً ونصاً من الله كما ترد أدبيات الشيعة الاثني عشرية لاثنى عشر شخصاً، فالمسلم، بطبيعة الحال لدى الفكر السياسي الإمامي لا يشترك في اختيار إمامه بل عليه الطاعة فقط لا غير، وبالرغم من تطوير الفكر السياسي الشيعي الذي طرأ في كتابات النائيني - الجزيني - الخميني والذين أشركوا الناس في السياسة لاحقاً حتى لا تفقد الإمامية كفرقة إسلامية حضورها وتجديدها، علماً بأن التطوير الذي أحدثوه من أُنف ذكرهم لا يؤمن به سائر الإمامية، على أية حال، الحديث في هذه المسألة يطول، وسيُخصص له مقالاً منفرداً في الوقت المناسب.

Wednesday, July 3, 2013

حكومات الخليج والتفسير الأحادي للتاريخ الإسلامي: الصراع مع الاخوان كأنموذج


بادئ ذي بدء أود أن أقول أن كاتب هذا المقال لا ينتمي للإخوان ولا يؤيدهم ولم ينتم في يوم إلى أي تنظيم لهم أو قريب منهم و إن عرض على الإخوان تفكيره لتم تكفيره، وهذا المقال لا يعتبر تقييماً لدور الإخوان كتيار سياسي ولا لإنجازاتهم ولا اخفاقاتهم، هي كلمة أراها حقاً ووجب أن تُقال..

لماذا تخشى حكومات الخليج من جماعة الإخوان؟

كي نفهم سبب خوف حكومات دول الخليج العربي من تيار الاخوان المسلمين، علينا في البداية أن نفهم طبيعة دول الخليج،  فثمة علاقة ارتباطية بينهما، غالب دول الخليج تغيب عنها كافّة أشكال ممارسة الرقابة الشعبية البرلمانية، ان استثنينا الكويت والبحرين إلى حد ما بهما مشاركة شعبية بالرغم من كل محاولات تحجيم شبه الديمقراطية المعمول بها، تنفرد هذه الدول بطبيعتها بحكومات تسيطر على كل شيء، ترتكز المناصب العليا فيها لمن يُعرف بولاؤه الأكبر، تحاول حكومات دول الخليج أن تسيطر على كل شيء، كي تخلق، أو على الأقل تحاول أن تخلق مجتمعاً يسير وفق ما تريده و مزاجيتها ابتداءاً بالدين وانتهاءاَ بالسياسة، تريده كما تهواه، المشكلة ليست هنا فحسب، المشكلة هي أنها تريد أن تحتكر تفسير الدين وفقاً لمصالحها الداخلية والخارجية، وتأتي هنا الأهمية المحورية لاحتكار تفسير الحكومات للدين بمشايخ من اختيارها هي، وفتاوى معلبة كما تريد، من الناحية العملية، تعتبر خطوة حكومات الخليج ذكية جداً، ذلك أنها تعلم بأن مجتمعاتها بطبيعة حالها متدينة ومحافظة على المستوى الاجتماعي، لذلك تستفد من هذا قدر الإمكان، حسنا وما دخل الاخوان المسلمون هنا؟ 

تتمحور مخاوف الحكومات من الإخوان المسلمين  كونهم نتاج للفكر السياسي الاسلامي إلا أنه كتنظيم يختلف في تفسير الدين من أفكار ورؤي شرعية مرتبطة بالسياسية و روايات عن ما تريده الحكومات الخليجية، بمعنى آخر، تأتي الكتابات في ادبيات فكر الاخوان المسلمون بشرعنة المشاركة السياسية "الشورى"، وتأكيدهم على الخلافة كنظام سياسي شرعي إسلامي، وهذا ما لا تريده حكومات الخليج، تخشى الحكومات من تفشّي فكرة مفادها أن المسلم لابد أن يشارك باختيار حكومته، وهذه فكرة غير مرحب بها بل محاربتها هي أصبحت وسيلة لتحقيق غاية عدم انتشارها قدر الإمكان.

بإيجاز، إليكم هذه المقارنة السريعة:

حكومات الخليج                                                                            الاخوان المسلمين
الموقف من المشاركة السياسية:  تهميش المشاركة السياسية للمسلمين          إجازة المشاركة السياسية "الشورى" باعتبارها واجب شرعي

تشكيل الحكومة: نتاج لأوامر                                                              نتاج للشورى

أثر التاريخ الاسلامي على الحاضر: إما للقراءة أو وسيلة للفتاوى المعلبة.              ربط التاريخ بالحاضر، من خلال إجازة الشورى.

المرونة في تفسير الدين:    ضيقة                                                           أكثر اتساعاً من ضيق الأولى


في ختام المقال وخلاصته، أن الغرض من محاربة الاخوان شخوصاً وفكراً وغيرهم ممن يشذون عن النمط الفكري الأحادي التي تحاول الحكومات تشكيله هو هدف أساسي للحكومات ترغب من خلاله أن تبقي سيطرتها التامة على حياة مجتمعاتها، كي يكونوا كالقطيع مُلقنّون لا يقرؤون، فثمة علاقة عكسية فيما لا تجيزه الحكومات وما يجيزه الاخوان في أدبياتهم.